أسلوب الدعوة عند الشيخ الأحسائي

                                            أسلوب الدعوة عند الشيخ الأحسائي

من له نظرة ثاقبة في المجتمعات والأفراد والأديان .. يجد اختلافاً شاسعاً بين أفكارهم وأديانهم ومعتقداتهم، واتجاهاتهم الفكرية , فكل مجموعة أو مجتمع أو فرد يحمل فكرة ، أو عقيدة تتضارب مع غيره . ويرى أنها هي الصائبة وما يحمله غيره ، بعيداً عن خط الصواب . 

فالأسلوب القرآني ، يصلح لجميع طبقات المجتمع مهما كانت مستوى ثقافته
وبما أن هذه الفكرة مازجت روحه وبدنه ، فأنها تبعثه إلى النزوع ، في العمل من أجل الدعوة إلى فكرته أو عقيدته .. حيث يطمح أن الكل يعتنق عقيدته ، أو يسير على خطه الفكري . 
وتختلف الأفكار والأيدلوجيات من حيث كبرها وصغرها، ومحدوديتها وانتشارها في العالم . 
ولعلَّ من أعظم الخطوط والأيدلوجيات، العقيدة الإسلامية والإسلام بأكمله من شريعة وطريقة وحقيقة . ولذلك الدعاةُ للإسلام .. بأنه دين من قبل الله تعالى بالآلاف . 
والدعاة اختلفت طرقهم في الدعوة إلى الله والإسلام . فمنهم من جعل الأسلوب الفلسفي هو الأمثل، ومنهم مَن جعل السياسة ومنهم من جعل الأسلوب القرآني هو الأمثل في الدعوة .. لنشر الإسلام والإصلاح . 
أما الفلسفي فهو دوماً يقف في مقام الإفحام للخصم ، دون الالتفات إلى مدى اقتناع الطرف الآخر . 
ولذلك تكثر المغالطة في هذا الأسلوب ، فهذا الذي دعا أهل البيت إلى ترك هذا الأسلوب، رغم إنه يفي بالغرض في مقام الإثبات ، وربما حتى لا يقال إن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ مناطقة، يفحمون الناس بقوة المنطق الأرسطي.

وهذا مما دعا أهل البيت إلى استخدام أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .. لأن هذا الأسلوب يمتلك القدرة للانسياب في وجدانيات الناس بسلاسة وكذلك امتثالاً لقوله تعالى : ] وادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ... [ [1]

فالأسلوب القرآني ، يصلح لجميع طبقات المجتمع مهما كانت مستوى ثقافته. فهو يعتمد على فهم الإنسان للوجود الذي يعيشه، من هنا لا توجد مشكلة لإقناعه .

بعكس الدليل الفلسفي الذي هو كلغة الشعر، لا يفهمها إلا الراقون في سلم الأدب. ونحن بدورنا نتعرض لأسلوبين فقط من حيث الشرح والنقد والمقارنة. هما الأسلوب الفلسفي والأسلوب القرآني . 
الأسلوب الفلسفي: 
قائم على الأسس المنطقية والمصطلحات الفلسفية الجامدة . هذا في مجال العقائد والأفكار والأيدلوجيات. أما في الفنون الأخرى ، يعتمد هذا الأسلوب المبادئ التي قررها الفلاسفة والمفكرون .

وهذا الأسلوب بمفاهيمه الصعبة أحياناً، والراقية أحياناً . يكون من باب الصعوبة، أن يجعل قناةً .. لفتح الحوار مع جميع الطبقات . والسر في ذلك عدم ارتقاء أغلب تلك الطبقات لمستوى ، هذا الأسلوب .

وكثير من العلماء والمفكرين المسلمين ، الذين كانت الرؤية صافية عندهم عبر القرآن وروايات أهل البيت ـ عليهم السلام ـ رفضوا هذا الأسلوب، رغم إنه يفي بالغرض في مقام الإثبات . 
من هنا نبدأ نحاكم هذا الأسلوب ضمن نقاط : 
1. إنّا نجزم بخطورته .. لأنه يعطي وهما ً كبيراً عن حقيقة الإسلام . بعدم قابليته للتطبيق في كل زمان ومكان ، لا سيما في ظروف العصر الحديث، المحكوم على أساس التجربة المعاصرة الراهنة ومقارنتها بالسابقة وبالتالي قياس مدى نجاح التجربتين في حماية المجتمع وصيانته وتطويره نحو الأمام . 
2. إن هذا الأسلوب يحمل في جوفه من السلبيات أكثر من الإيجابيات . فلو عدنا إلى التأريخ القريب والبعيد نجد أن الكثير ممن سلكوا هذا الأسلوب حملوا حقداً وتكفيرا للكثيرين من المسلمين في بقاع الأرض .. إيمانا منهم بأن منهجهم هو الصحيح في الدين والحياة . 
3. إذا كان مرجع الإنسان في مشاكله اليومية هو عقله وحده سوف يتخبط في ضبابية الرؤية .. لأن عقله وحده ليس دليلا على الحقيقة والصواب، وإلاّ لما ضل الكثير من الناس في متاهات المشاكل التي تحتاج إلى الرؤية السليمة . من هنا ، القرآن، هو وحده يملك هذه الرؤية المضيئة . 
4. يحمل هذا الأسلوب خطرا كبيرا في جوفه .. من حيث قدرته الكبيرة على المناورة والمغالطة في طرح الحقائق والنظريات على أنها حق من الله، لا شك فيه، وبالتالي تزييفه للواقع وتشويه الحقيقة . وتعطيل الإنسان عن التطور السريع، ونعلم كم عملت الفلسفة اليونانية ونظرتها للميتافيزيق في تأخير العلم عن التطور السريع . 
5. على العكس من الأسلوب القرآني الذي يشدنا نحو النور، فالأسلوب الفلسفي يشدنا بقوة نحو الظلام، ولا يجعلنا ننسجم مع الإيمان المطلق في كل شيء. 
وكذلك أكد الشيخ الأحسائي نقد هذا الأسلوب وعدم استعماله . يقول الأستاذ صالح السليمي« وتقوم الفلسفة الجدلية ـ كما هو معلوم ـ على قواعد المنطق ، فتستخدم الأشكال الأربعة والنقيض وعكسه والعكس المستوي وعكسه ، وغير ذلك من الأدوات الهادفة إلى إسكات الخصم والتغلب عليه وحمله مكرهاً على تبني أفكار جديدة لا يؤمن بها في ضميره تحلُّ محل الأفكار القديمة .

وقد لاحظ الشيخ أحمد الأحسائي، إن هذا الأسلوب في الاستدلال غير مستخدم في محاورات أهل البيت عليهم السلام مع مخالفيهم من أهل الملل والنحل ولا في مواعظهم وتعليماتهم الصادرة عنهم إلى أصحابهم وشيعتهم ، يضاف إليه أن ما يُراد إثباته إنما هو معتقدات ينبغي أن تنفذ إلى القلب وتركن إليها الفطرة السليمة ويؤمن بها الفؤاد المستقيم، وهي ما لا تتأتى من الجدل العقيم القائم على المغالطة والسفسطة والتلاعب بالألفاظ، فاستعاض عن ذلك بأدلة الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن[2] امتثالاً لقوله تعالى : (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين » .[3] 
الأسلوب القرآني: 
يخاطب الفطرة الإنسانية الصافية من ناحية، ومن ناحية أخرى يخاطبها من حيث قدرتها على التجارب مع المخاطب. يخاطبها من حيث ما تعيه من ظاهر الكون والوجود والضروريات الإنسانية .

يقول الشيخ الأحسائي معرفاً بعض خطوط الأسلوب القرآني في شرح الفوائد الطبعة الحجرية ص4 ، « وهو الدليل الكشفي العياني الذي يخبر به المستدل بعد معاينة ما أراد من معاني ألفاظه لا مجرد الألفاظ ».

والأسلوب القرآني ممثّل في قوله تعالى : ] أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين [ 
مع الأسلوب القرآني في شواهد من القرآن الكريم تبين الخير والشر في المجتمع :
1. } فمن النّاس مَن يقولُ ربّنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة مِن خلاق . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذابَ النار . أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب [[4] 
2. ] الّذين اتخذوا مِن دون الله أولياءَ كمثلِ العنكبوت اتخذت بيتاً وإنَّ أوهن َ البيوتِ لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون [ [5] 
3. ] ومِن الناس من يُعجبُكَ قوله في الحياة الدنيا ويشهدُ اللهَ على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام . وإذا تولىّ سعى في الأرضِ ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل واللهُ لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتّقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد . ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد . [[6] 
ولو قارنا بين الأسلوبين نرى الفرق جلياً بينهما كالآتي : 
ا ـ إنّ الأسلوب القرآني سهل مرن، يملك الطراوة والانسياب إلى الفطرة الإنسانية .. بعكس الأسلوب الفلسفي فهو خشن كالمادة الصلبة .

ب ـ إن الأسلوب القرآني مرآته صافية كالشمس في رابعة النهار .. بعكس الأسلوب الفلسفي فهو دوما غائم ويضع ضبابا من الألفاظ والمصطلحات بينه وبين الحقيقة .

ج ـ إن الأسلوب القرآني يناسب جميع طبقات المجتمع .. بعكس الأسلوب الفلسفي لا يفهمه إلاّ المتفلسفة ، فهو كلغة الشعر راقية لا يفهمها إلاّ الراقون في سلم الأدب .

د ـ إن الأسلوب القرآني يخاطب الفطرة من حيث ما تعيه وتلامسه من أسرار الوجود والبديهيات الإنسانية ... 
ماالذي نحصل عليه لو عملنا بالأسلوب القرآني ؟ 
ومن خلال هذا الأسلوب القرآني الحكيم يمكن للحقائق أن تتقدم في اتجاه صالح الناس وتصمد أمام الشك والمشككين إلى الأبد في ميدان التنافس والصراع، فلا هزيمة ولا انسحاب أمام هجوم الأعداء . 
ماذا يجب على الدعاة والمبلغين : 
يجب على الدعاة والمبلغين دراسة القرآن أولاً. وثانيا: دراسة الواقع الاجتماعي من أجل العمل السليم . فلا يكفي دراسة القرآن وحده وتعطيل العقل وكذلك تعطيل عدم الاستفادة من المناهج العلمية الحديثة لدراسة المجتمعات. ونستفيد من ذلك التالي: 
1. تحصيل المعلومات الضرورية من أجل عملهم في نشر الدعوة والخير. 
2. فهم الواقع الاجتماعي والعمل على ذلك الفهم ..كي يتقنوا العمل ويصل بسلامة للناس . 
3. أن يعرفوا مدى القوة التي يملكونها من خلال الإسلام من حيث التأثير في المجتمع . 
4. أن يكشفوا أي المجالات التي يبدءون بها أولاً ، قبل غيرها . 

الكاتب: الشيخ سعيد محمد القريشي
________________________________________
[1] سورة النحل ، آية 125 . 
[2] السليمي ، الميرزا صالح ، أضواء على مدرسة الأحسائي ، ط1 ، ص24 . 
[3] سورة النحل ، آية 125 . 
[4] سورة البقرة ، آية 200-203 . 
[5] سورة العنكبوت ، آية 41 . 
[6] سورة البقرة ، آية 204-208 .


كتب أخرى: