التأويل والمؤول عند الأحسائي-ح1

  • تأليف:
    الشيخ سعيد القريشي
  • اللغة : العربية
  • عدد المشاهدات : 9423
  • تاريخ النشر :
    2018-01-29
  • لمالكي المحتوى : هل تجد هذا المحتوى المعروض ينتهك حقوق ملكيتك الفكرية ؟ يمكنك مراسلتنا لإزالته contact@awhad.com

    For Copyrights owners: If your copyrighted material has been found on our website and you want this material removed, write to us contact@awhad.com

    اگر مواد کپی رایت شده شما حذف شده است، به ما بنویسید contact@awhad.com

                                            التأويل والمؤول عند الأحسائي-ح1

لعلها تبرز أهمية التأويل حينما رفع جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح واختلاف جيش الإمام علي عليه السلام ومن ثم إفراز طبقة جديدة في الأمة الإسلامية اسمها الخوارج ,ومن قبل هذا كان قتل عثمان شرارة التأول التي تلقفها معاوية ورفع قميصه شعاراً له ، وهذه الفترة عنونت (بحروب التأويل ) ، معاوية وحزبه ضد الإمام علي عليه السلام وحزبه ,وإذا رجعنا إلى حرب التأويل التي وقعت بين الإمام علي عليه السلام ومعاوية ينقل لنا التأريخ عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : (( كنا بصفين مع علي بن أبي طالب تحت راية عمار بن ياسر إذ أقبل رجل .. فقال :أيكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار : هذا عمار ! قال :إني خرجت من أهلي مستبصراً بالحق الذي نحن عليه لاشك في ضلالة

هؤلاء القوم وإنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصراً حتى ليلتي هذا الصباح يومنا هذا ، فتقدم منادينا فشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ونادى بالصلاة ، فنادى مناديهم بمثل ذلك، ثم أقيمت الصلاة ، فصلينا صلاة واحدة ، ودعونا دعوة واحدة ، وتلونا كتاباً واحداً ، ورسولنا واحد ، فأدركني الشك في ليلتي هذه ، فبت بليلةٍ لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له ،فقال:
هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت : لا . قال: فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه . فجئتك لذلك . قال عمار : هل تعرف صاحب هذه الراية السوداء المقابلة لي ، فإنها راية عمرو بن العاص ، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات وهذه الرابعة ، ما هي خيرهن ولا أبرّهن بل هي شرهن وأفجرهن ، أشهدت بدراً وأحداً ، وحنيناً أو شهدها لك أبٌ فيخبرك عنها ؟ قال : لا . قال فإن مراكزنا على مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، هل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ فو الله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية، ممن يريد قتالنا ، مفارقاً للذي نحن عليه ، كانوا خلقاً واحداً قطعته وذبحته .. أتراني بينت لك ؟ قال : قد بينت لي ، قال: فاختر أي ذلك أحببت .. [ 1 ] )). 
وتأول النصوص القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله لم يأخذ جنبة سياسية فقط، بل صار التأول منهجاً فلسفياً كاملاً أقيمت عليه مدارس فلسفية وفرقاً طائفية ، أخذت شوطاً عظيماً في التأريخ والمجتمع الإسلاميين . بل نحت به بعض الفريقات نزوعاً تدميرياً في المجتمع الإسلامي ، كما فعل معاوية برفع المصاحف ، وقضية خلق القرآن وغيرها من المشكلات العقائدية ذات التأثير الاجتماعي الهدام. 
من هنا عندما نتناول موضوع التأول في مدرسة فيلسوف عظيم في العالم الإسلامي ، إنما نتناول موضوعاً خطيراً للغاية . 
ولكن من جهة أخرى نؤسس منهجاً أصيلاً مبتكراً لنخدم به سالكي طرق التأول .

نافذة على أفهوم التأويل : 
إن أفهوم التأويل من الناحية اللغوية لا يقل إشكالية عنه في الناحية الاصطلاحية ، لقد مر أفهوم التأول بمراحل عديدة، ولا نقصد هنا لغة بعينها، بل اللغة بماهي وسيلة لنقل المعلومات البشرية، الذي يتخصص فيها علم اللغة، وفقه اللغة، فتارة تقع الإشكالية في نفس الأفهوم، وتارة تقع الإشكالية في استخدام الأفهوم من واحد لآخر وفق ما تمليه عليه فلسفته في إطارها العام والخاص .
وسئل أبو العباس بن يحيى عن التأويل فقال : التأويل والمعنى والتفسير واحد .
الليث : التأول والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلاببيان غير لفظه .
وأنشد : (( نحن ضربناكم على تنـزيله ، فاليوم نضربكم على تأويله )) وقال أبو عبيدة في قوله : وما يعلم تأويله إلا الله [ 2 ] ، قال : التأويل المرجح والمصير مأخوذ من آل يؤول إلى كذا إي صار إليه.
الجوهري : التأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء ، وقد أولته تأويلاً وتأولته بمعنى،
ومنه قول الأعشى : على أنها كانت ، تأولُ حُبِّها تأوّلُ ربعيِ الشعاب ، فأصْحبا 
والتأويل : عبارة الرؤيا [ 3 ] .
والتأويل : بقلة ثمرتها في قرون كفرون الكباش ، وهي شبيهة بالقَفْعاء ذات غصنة وورق، وثمرتها يكرهها المال ، ورقها يشبه ورق الآس وهي طيبة الريح ، وهو من باب التثبيت ، واحدته تأويلة .
وروى المنذري عن أبي الهيثم قال : إنما طعام فلان القفعاء والتأويل ، وهما نبتان محمود من مراعي البهائم ، فإذا أرادوا أن ينسبوا الرجل إلى أنه بهيمة إلا أنه مُخصب موسّع عليه ضربوا له هذا المثل ، وأنشد غيره لأبي وجزة السعدي :
عَزْب المَراتعِ نظارٌ أطاع له ، من كل رابيةٍ ، مكرُ وتأويل …… [ 4 ] .
نلاحظ أن الأفهوم اللغوي للتأول، رغم وجود الاختلاف اليسير فيه إلّا أنه يُجمع على صورة واحدة للتأول كمنطق عملي فلسفي .

وهذه الصورة تقوم على :
أ – معنى ظاهر ممكن فهمه من خلال تركيب النص .
ب- معنى خفي لايمكن الوصول له إلا بإشارات خاصة من النص الظاهري نحو المعنى الماورائي الخفي .
إذن ، نجد المفسرين والمتكلمين والفلاسفة المسلمين وكذلك الأدباء يجمعون على النقطة الأولى بلا اختلاف تقريباً، إلا فيما يتعلق بتطور اللغة الزمني والاجتماعي … بحيث لو استقر مفهومهم عن دلالية ألفاظ محدودة في توليف نصي أو أسلوبي معين لن نجد اختلافاً بينهم في فهم منطوق ذلك النص أو التركيب الأسلوبي .
والشيخ الأحسائي لا يختلف معهم في هذه النقطة على الإطلاق بل يؤكدها نصه التالي ((اعلم أن التأويل في القرآن لا يجوز إلا ما أخذ عن أهله المخاطبين به محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين ، لأن القرآن على خلاف ما تعرفه الناس فإن له ظاهراً وظاهر ظاهر وهكذا باطناً وباطن باطن كذلك ، وليس لأحد أن يقول في القرآن إلا بدليل عنهم عليهم السلام وهو قسمان : 
أحدهما وصل إليه من النص من كتاب أو سنة أو ما علم تناوله من معاني الكتاب غير حاصر لمعاني القرآن فيما علم فإنه إذا دل الدليل عنده على معنى من معاني القرآن وقال هذا المعنى يدل عليه كذا وهو عنده إنه دليل غير ذلك غير مكلف له الغرض له في ذلك ولا غير ، عالم بأنه دليل في ذلك المعنى فقد جاز له بشرط أن لا يحصره فيما علم فيقول ليس للآية معنى غير هذا ، وأما إذا حصر فهو ممن فسر القرآن برأيه ))[ 5 ] .
نلاحظ هنا تأكيد الشيخ الأحسائي للمعنى الظاهر مع اللغويين .. ولكن مع اعترافه بصحة تفسير علم اللغة للنص القرآني .. إلا أنه يحذره من الجزم بالقول أن تفسيره هذا هو التفسير الوحيد للظاهر القرآني وأن هذا الظهور محصور في العلم الفلاني دون غيره .. والسبب في ذلك كون الشيخ الأحسائي يرجع إلى أصل عقيدي يوجب عقلاً وشرعاً مرجعية أهل البيت عليهم السلام في تأول القرآن وتفسيره وإنه مهما بلغ العقل البشري من الدقة والنضج ، فهو يبقى محتاج إلى التكميل من قبل رسل الله وأوصيائه .
من هنا نجد فرقاً آخر عند الشيخ الأحسائي عن غيره ممن لا يؤمنون بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام : حيث إن الشيخ لا يكتفي بعقله في إضاءة النص الديني ، بل يعتمد عليه من خلال مسار روايات أهل العصمة عليهم السلام . منة دون إلغاء لإمكانات العقل البشري .
بينما النقطة الأخرى المتعلقة بالمعنى الخفي والتي تكون أساساً محط نظر المؤول ، هي نقطة انطلاق نحو التعريف الاصطلاحي ، الذي بدوره ، أي تطبيق هذا التعريف على النصوص محل معترك المدارس بشتى مذاقاتها الفلسفية والكلامية والتفسيرية واللغوية .

التعريف الإصطلاحي :
تركنا البحث في النقطة الثانية من العنوان السابق إلى هذا العنوان .. لأن محور بحثها في الأصل في إطار البحث الإصطلاحي لأفهوم التأول .
لقد بدأ أفهوم التأول أول ما بدأ ويعني : (( من التفسير والتأويل إظهار أو كشف المراد عن الشيء المشكل )) [ 6 ]. ولا يخفى علينا ما في هذا التعريف من الدلالة الفضفاضة .. حيث أن الأمر المشكل كما يكون في التأويل يكون في التفسير ، فهذا التعريف يزيد التأول غموضاً، لا وضوحاً فيكون التعريف بالأخفى ، لا بالأجلى .
من هنا نجد شبه إجماع من قبل علماء التفسير على أن التأول غير التفسير ، فالتأول ينصب عادةً على الجمل والمعاني بينما التفسير ينصب على شرح الألفاظ [ 7 ] .
والعلة في ذلك كون الألفاظ مرجعها هو اللغة ، والتأول قام به جماعة كثيرة سواء على مستوى الفيلسوف الواحد أو المدرسة أو التيار .
ويحدد ابن رشد الفيلسوف الأندلسي أفهوم التأول فيقول : (( إن معنى التأويل إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخلَ في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي)) [ 8 ] ويحدد الجرجاني : (( إن التأويل في الأصل الترجيع ، وفي الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله ، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنة مثل قوله تعالى : (( يخرج الحي من الميت )) ، إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيراً ، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا [ 9 ])) .
(( ويمكن القول بأن علماء اللاهوت بوجه عام حينما يفسرون الكتب المقدسة تفسيراً رمزياً القصد منه تجاوز ظاهر الشيء إلى باطنه ، وحقيقة فإن هذا يعد تأويلا من جانبهم )) [ 10 ].
ويرجع الفقهاء في الأغلب أفهوم التأويل سواء كان في الآية أو الحديث إلى معنى غير المعنى الظاهري [ 11 ] .

الكاتب: الشيخ سعيد محمد القريشي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ 1 ] البحراني ، أحمد ، التأويل منهج الاستنباط في الإسلام ط 6 . 1999 دار التأويل للطباعة والنشر ، (د،م،ن) ص134 .
[ 2 ] سورة آل عمران / 7 .
[ 3 ] ابن منظور ، محمد ، لسان العرب ، 1405هـ ، نشر أدب الحوزة ، قم – إيران ، ص 33-34 ،ج11 .
[ 4 ] المرجع السابق ، ص 39-40 ، ج 11.
[ 5 ] الأحسائي ، أحمد بن زين الدين ، رسائل الشيخ، ط1 – 2000م جامع الإمام الصادق عليه السلام الكويت ص 207 ج1.
[ 6 ] الموسوعة الفلسفية العربية ، ج 1ص 207 .
[ 7 ] المرجع السابق ،ج1 ص 207 .
[ 8 ] المرجع السابق ،ج1 ص 207 .
[ 9 ] المرجع السابق ، ج1ص 208 .
[ 10 ] المرجع السابق ، ج1 ص 208 .
[ 11 ] المرجع السابق ص 208 ج 1.


كتب أخرى:

حكمة إسلامية لافلسفة يونانية

تأليف:
الشيخ سعيد القريشي
النوع:
مقال
اللغة:
العربية

الأصولية والإخبارية

تأليف:
الشيخ سعيد القريشي
النوع:
مقال
اللغة:
العربية

علاج فكري 14

تأليف:
الشيخ سعيد القريشي
النوع:
مقال
اللغة:
العربية