الأصولية والإخبارية

  • تأليف:
    الشيخ سعيد القريشي
  • اللغة : العربية
  • عدد المشاهدات : 10236
  • تاريخ النشر :
    2018-01-29
  • لمالكي المحتوى : هل تجد هذا المحتوى المعروض ينتهك حقوق ملكيتك الفكرية ؟ يمكنك مراسلتنا لإزالته contact@awhad.com

    For Copyrights owners: If your copyrighted material has been found on our website and you want this material removed, write to us contact@awhad.com

    اگر مواد کپی رایت شده شما حذف شده است، به ما بنویسید contact@awhad.com

                                                          الأصولية والإخبارية

لعلّنا الآن ندخل في بحث من أهم البحوث التي شغلت المدرسة الشيعية إلى الآن وهو بحث (الإخبارية والأصولية) وسبب تطرقنا لهذا البحث رغم أن منشأه أصولي/ فقهي، ونحن ندور حول محور حكمي منهجي سيتضح لاحقاً، والمهم الآن أن نعرف ما هي الأصولية و الإخبارية، والفرق بينهما.

(الإخبارية): 
هي طريقة للوصول للحـكم الشرعي عـن طـريق الأخبار والقرآن مع جعل السنة هي المفسرة الوحيدة للقرآن..بحيث إذا لم يرد نص في تفسير الآية الشريفة، لا تعتبر مصدر لتشريع لأنها مبهمة، مع عدم استخدام العقل والإجماع حسب الفرض. 
فعلى هذا نستطيع أن نقول: إ ن الإخبارية ينكرون الاجتهاد من أساسه.. فأذن هناك مجموعة من علماء الشيعة بعد الغيبة الكبرى إلى وقتنا الراهن ، يمارسون هذه الطريقة في التعبد بأحكام الله سبحانه وتعالى .. من هؤلاء العلماء على سبيل المثال قديماً الشيخ المجلسي صاحب البحار ، ولهذا من أهم الأسباب التي جعلته يقوم بتأليف البحار أنه إخباري ، ومن أهمهم أيضا الفيض الكاشاني صاحب المحجة البيضاء، وتفسير الصافي تلميذ الملاّ صدرا . والشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الذي ربما قيل إنه تحول عن هذا المنهج إلى الطريقة الأصولية. 
وهذه الطريقة مبرئة لذمة عند الله، لا إشكال على دخول صاحبها الجنة وهـم شيعة اثنا عشرية جعفرية وليسوا في قبال الشيعة الجعفرية ا لإثناعشرية.
(الأصولية): 
هي طريقة للوصول للحكم الشرعي عن طريق الكتاب والسنة والإجماع والعقل.. ولهذا فهم يؤمنون بلإجتهاد, ولكن ليس كاجتهاد أبي حنيفة النعمـان من قبيل القياس مظنون العلة والاستحسان والمصالح المرسلة, بل عن طريق استخراج الحكم الفرعي من الأصل الشرعي (النص) من غير اختراع حكم من عقول العلماء لا دليل عليه. 
فجميع علمائنا في العصر الحاضر هم أصوليون إلاّ النادر , وهذه الطـريقة مبرئة لذمة سليمة المنهج لا إشكال عليها, ولا يمارسها إلاّ المجتهدون الحاصلون على الإجازة التي تصله بمدرسة الإمام الصادق عليه السلام.
أرضية الصراع التاريخية بين الأصولية والإخبارية [1] : 
أجمعت المصادر التاريخية الشيعية على أن اهتماماً كبيراً برز في وقت مبكر من تاريخ الإسلام بتدوين الشيعة للحديث ,وحتى غيبة صاحب العصر والزمان (عج) فكان أئمتنا عليهم السلام المتحدرون مـن الحسين عليه السلام ينشـرون أحكام الدين بـين شيعتهم استناداً إلى النصـوص الدينية الموثقة سنـداً ودلالة عبر سلسلة من السند تنتهي إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , والتي عرفت بالأصول الأربع مائة .. بينما كانت الفرق الأخرى ترجع إلى الأصول العقلية في الحوادث التي لم يرد فيها نص قرآني أو من السنة .. ولذلك علماء الشيعة درجوا في تلك الفترة على تدوين كتبهم الفقهية بالاقتصار على نقل الروايات بأسانيدها ،والإفتاء بهذا الشكل فقهياً، فكل راوي له كتاب يعد مسند له، قد حوى مجموع رواياته عن الإمامة، والإفتاء كان بنقل الرواية مع إعمال النظر فيها ومراعاة شروط الفتية . 
وبعد انتهاء الغيبة الكبرى ، برزت الحاجة إلى تدوين الأحاديث في موسوعات حديثية ضخمة، فبرز ثلاثة من أساطين الدين، وهم الشيخ الصدوق، والشيخ الكليني،والشيخ الطوسي، بتدوين الحديث على طريقة الكتب الفقهية ـ أي أحاديث الصلاة في كتاب خاص مثلاً ـ وفي الواقع كان مجرد ترتيب دون تعديل في متون الروايات أو تأويلها .
وهذا بالضبط عينه المذهب الإخباري الرافض أي شكل للنيابة عن المعصوم (ع) .. لأنه يقول: الرواية صادرة من العقل الكلي، ولا يمكن أن يرقى إليها عقل البشر العاديين. 
ومع بدء التحولات السياسية بعد الغيبة الكبرى ـ وبوجه خاص إثر قيام دولة بني بويه الشيعية ـ أفرزت انفصالات في الوسط الفقهي/ الكلامي الشيعي، كشفت عن ولادة طريقة فقهية/ كلامية جديدة يراقب الواقع الحياتي ، في مقابل الخط الإخباري الذي لا يتجاوز النصوص، ويرفض إعمال العقل، الممثل في علماء قم الحديثية التي ينتمي إليها مشاهير القميين مثل أحمد ابن عيسى شيخ القميين وغيرهم ، وفي مقابل هذه المدرسة بدأت بوادر خط اجتهادي يؤسس لفقه الواقع جعل من بغداد عاصمة البويهيين مركزاً لنشاطه العلمي التجديدي، مستفيداً من الرعاية التي حظي بها من سلاطين بني بويه، كما تأثر بحركة الاجتهاد السنية، والفلسفة، والعقليات التي تنامت في القرن الرابع الهجري بشكل واضح. 
وبإطلالة القرن الرابع الهجري ظهر لون جديد في الكتابة والفتيا وهو الإفتاء بمتون الروايات مع حذف إسنادها والكتابة على هذا النحو مع إعمال النظر والدقة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه –في ظاهره- عن صورة نقل الرواية واتخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة . 
والواقع ، إن الشيعة واجهوا وفي مرحلة مبكرة انسدادات فقهية خطيرة جداً مع بروز حاجات جديدة ومسائل مستحدثة لم يكن بالإمكان الركون في تسويتها إلى متون الأحاديث ،فأصبحت هناك حاجة إلى التجاوز ، أي الانتقال من الأصول إلى الفروع ، بتجاوز متون الأحاديث سعياً إلى تأويل النصوص واستنباط فروع جديدة مستمدة من تلك النصوص ومضامينها وبدأت بوادر ظهور هذا الخط من خلال الأبحاث الجزئية التي قام بها( العماني )و (ابن جنيد) في القرن الرابع الهجري ، في سياق إخضاع كتلة النصوص الشيعية للمعايير العقلية ، والتي ستجد صداها وتأثيرها عند الجيل اللاحق (المفيد والمرتضى والطوسي ومن بعدهم ) فوضع الحسن بن علي بن أبي عقيل (ت 381هـ) –المعاصر للشيخ الكليني- كتابه (المتمسك بحبل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )وكان موضع إعجاب وتقدير كبار فقهاء الشيعة الأقدمين مثل المفيد والطوسي ولاحقاً العلامة الحلي ، وقد قيل عنه بأنه أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث في الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وكذلك كان( ابن الجنيد ) بكتابه (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ) وقد وصفه الخوانساري في (روضات الجنات ) أنه أبدع " أساس الاجتهاد في أحكام الشريعة " ثم صنف الشيخ الطوسي كتابيه (المبسوط ) و (الخلاف) واعتبرت هذه الكتابات " المرحلة الثانية لتطور الفقه الشيعي " . 
وهكذا استمر حال الشيعة بطريقتهم الأصولية المتنامية على أيدي العلماء الأفذاذ جيلاً بعد جيل إلى أن ظهر الشيخ ( أمين الاسترابادي ) وأسس الطريقة الإخبارية وأهم كتاب يبين طريقته ومعتقداته [2] (الفوائد المدنية) . وتابع هذا الرجل ثلة عظيمة من الناس لأنه شديد الالتصاق بظاهر روايات أهل البيت عليهم السلام وهذا يثير إعجاب العوام ويدعوهم للثقة به فكان العراك يأخذ المد والجزر إلى زمان الوحيد البهبهاني (رض) الذي كان في النجف ويعتبر مر جع كبير على الطريقة الأصولية فحارب الطريقة الإخبارية حتى قوض صرحها بشكل نستطيع القول (90%) ولاتزال هناك إخبارية إلى الآن في بلاد الشيعة التي لا تصلها الأيدي الأصولية . 
أهم مبادئ الإخبارية : 
الأول : تعتبر (السنة) هي المصدر الوحيد للتشريع لأنها هي المفسرة للقرآن . 
الثاني : لا يعترفون بالعقل في تفسير الروايات لأن العقل لا يصل إلى مستوى نص الرواية الصادرة من المعصوم عليه السلام . 
الثالث : لا يعتبرون الإجماع كمصدر للتشريع . 
الرابع : يقلدون الميت ابتداءً . 
الخامس : يعتقدون أن طريقتهم هي طريقة الشيعة القدماء . 
السادس : يقولون بأن الكتب الأربعة قطعية الصدور عن المعصوم . 
والآن ننتقل إلى أهم نقطة في بحثنا هذا وهي مسألة اتهام الشيخ أحمد ين زين الدين بأنه إخباري في الفقه والحكمة الإلهية وهذا اتهام باطل وقول زائف لا يصمد أمام الدليل .
هل الشيخ الأوحد إخباري في الفقه ؟ 
وهذا كلام باطل للأدلة التالية :- 
أولاً : إنه لم يصرح بأنه إخباري بل صرح العكس كذلك جميع أعلام المدرسة . يقول السيد كاظم : ( إن الطريقة المثلى من تلك الطرائق والحقيقة الوسطى من هذه الحقائق ما عليه محققوا علمائنا الأصوليين ومدققوا فقهائنا المجتهدين من المتقدمين والمتأخرين [3] … إلخ ) . 
ثانياً : إن للشيخ رسالة فقهية عملية كبقية العلماء المجتهدين وهي الرسالة الحيدرية ، معروفة ومشهورة . 
ثالثاً : لا يجيز تقليد الميت ابتداءً كما صرح بذلك مراراً ، راجع جوامع الكلم ط حجرية ج 2 : ص 95 س 11 .
هل الشيخ الأوحد إخباري في الحكمة الإلهية ؟ 
هناك دارسون لحكمة الشيخ أحمد الأحسائي عجزوا عن إدراك فلسفته ومنهجها فاتهموه بأنه إخباري المسلك .. أي يؤمن بما في الروايات دون استخدام العقل فيها لاستكشاف الحكم العقيدي .. ولكن الحقيقة أن الشيخ أحمد رضوان الله عليه كان يستخدم العقل على خلاف قولهم ولكن كما نعلم أن (الميتافيزيق) ما وراء الطبيعة ، العقل لا يدرك منها إلا أموراً إجمالية معتمدة على معلولات في الحس تراها الحواس الخمس ..أما الأمور التفصيلية كصفات الواجب سبحانه ومقامات الأئمة ووصف الجنة والنار والصراط والموازين والقبر والبرزخ والعوالم واللوح والقلم هيهات أن يدركها العقل البشري لوحده بدون مساعدة الأئمة عليهم السلام ، فالفارق الأساسي في منهجية الشيخ ومنهجية المدارس الأخرى في استخدام العقل إ نهم يستخدمون العقل معزولاً عن (النص) ثم ما ينتجه العقل يلصقونه في (النص) على أن لا يخالف (النص) والشيخ عكس ذلك فهو يعمل العقل داخل النص لاستخراج الحكم العقيدي ، لا يأتي به من خارج النص .. نعم أي إنتاج للعقل وافق النص لا إشكال عليه . فإذن وبعبارة موجزة نقول الشيخ (الشيخ عبّد العقل للنص ) والمدارس الأخرى (عبدت النص للعقل ) وهذا هو الفارق الجوهري بين الشيخ والمدارس الأخرى .

الكاتب: الشيخ سعيد محمد القريشي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] اعتمدنا هذه الفقرة بشكل أساسي وبتصرف على : إبراهيم ، فؤاد ، الفقيه والدولة ، ط1 ، 1998 ، دار الكنوز الأدبية ، بيروت ، ص10 . 
[2] هذه المعلومات نقلاً عن كتاب (مبدأ الاجتهاد في الإسلام ) مرتضى مطهري ص : 34-35 . 
[3] رسالة في بيان المطالب الفقهية والفروع الاجتهادية ط حجرية : ص 22 . 


كتب أخرى:

علاج فكري 7

تأليف:
الشيخ سعيد القريشي
النوع:
مقال
اللغة:
العربية