ميرزا محمد بن حسين المامقاني

صورة ميرزا محمد بن حسين المامقاني

الميرزا محمد الكبير عميد الأسرة حجة الإسلام
 
بقلم خادم الشريعة الميرزا عبد الرسول الحائري
اسمه: 
الميرزا محمد بن حسين بن زين العابدين المامقاني التبريزي
يعد المرحوم ميرزا محمد الكبير الملقب بـ ( حجة الإسلام ) زعيم هذه الأسرة وعميدها. ولد في قرية ( ممقان ) الواقعة على بعد خمسين كيلو متراً تقريباً جنوب مدينة ( تبريز ) وهي اليوم تبدوا بلداً عامراً مباركاً .

نشأته العلمية :
   شرع بدراسته الدينية في مدينة ( تبريز ) فطوى فيها مرحلة المقدمات العربية والسطوح . ثم سافر إلى العتبات المقدسة في العراق ودرس في الحوزات العلمية في ( النجف الأشرف ) و( كربلاء المقدسة ) ، ونال درجة الاجتهاد المنيعة بامتياز عالٍ ، بعد قضائه سنوات في تحصيل العلوم والرياضة وكسب الفيوضات من العلماء الأعلام في تلك المشاهد المقدسة .
   ثم عاد إلى وطنه في صحبة اثنين من زملائه وهما ميرزا محمود نظام العلماء وميرزا محمد حكم آبادي عن طريق ( كرمانشاه ) . إلا أنَّ أمراً غريباً وتوفيقاً عظيماً حدث له في هذه المدينة مما زاد في مراتبه المعنوية ، هذا الحدث المبارك هو تشرفه بالحضور في مجلس درس الشيخ الأجل الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، الذي يقول عنه العالم العامل الكامل ميرزا محمد باقر الخوانساري صاحب ( روضات الجنان ) : إنه حقاً من حاملي أسرار المولى أمير المؤمنين عليه السلام .
   وبعد حضور المرحوم حجة الإسلام في حلقة درس ذلك العالم الجليل النورانية ، أدرك أنه وإن حصل على أعلى درجات الدراية في علمي الأصول والفقه الشريفين ، واعتلى أشمخ طبقات علم الحديث فإنه سيبقى بحاجة ماسة لحكمة أهل بيت الرسالة عليهم السلام ، ولمعرفة آثار وأسرار القرآن  والولاية ، لهذا أخذ ينهل الدر والمرجان من بحر المعارف الإلهية لذلك الشيخ الجليل ، ويقطف الثمار السنية من شجرة الولاية المقدسة ، ويروي عطش روحه من نبع العلوم التوحيدية الصافي لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام .
   أما ما تبقى من هذا الموضوع فسأذكره نقلاً عن المرحوم حجة الإسلام بشهادة المرحوم الحاج ميرزا علي أكبر عماد رحمه الله وهو من أشهر المحدثين والخطباء والمتقين في ( تبريز ) حيث كان مثالاً للصدق والأمانة في نقل الأحاديث والأخبار ، وكذلك في العلم والتقوى عند عامة الناس ، وخاصة عند علماء تبريز الأعلام ، وهو صاحب كتاب ( رنكارنك ) الفارسي ذي الجزأين ، وأيضاً بشهادة عمدة الفضلاء والمحدثين المرحوم ميرزا محمد حسين علمي كجابادي رحمه الله وهو من حاملي أخبار وآثار أهل البيت الأطهار عليهم السلام ، ومحل ثقة علماء زمانه الأعلام ، وكلاهما حظي بفيض لقاء المرحوم ميرزا إسماعيل حجة الإسلام ، واستفادا من محضر درس ذلك العلم الأوحد في زمانه ، لقد شهد هذان الشاهدان العادلان بما سأنقله كما سمعته وبدقة في هذه الوجيزة ليسجل في صفحات التاريخ ، ولكي لا تنسى مثل هذه الواقعة المباركة ولتكون مرجعاً تاريخياً للأجيال القادمة وهي كما يلي :
   قال المرحوم حجة الإسلام : بعد أن حضرنا عدة جلسات في ذلك المجلس النوراني العظيم أحسسنا بالحاجة الماسة للاستفادة العلمية والروحية ، وخصوصاً في معرفة المقامات السامية في الولاية من هذا الأستاذ الأوحد ، ولهذا أعرضنا عن العودة إلى أوطاننا ونوينا الإقامة في مدينة ( كرمانشاه ) .
   إن الشيخ الأحسائي كان في ذلك الزمان يقيم في تلك الديار استجابة لرغبة العلماء والسادات وأهالي ( كرمانشاه ) ، وأيضاً لرغبة ابن العائلة المالكة ( اقتدار السلطان ) وكان من مروجي العلم والأدب ومن المقربين للعلماء الأعلام ، فقد كان يعقد يومياً مجلس درس كبير للاستفادة من بحار علوم ذلك العلم الجليل يحضره عشاق أسرار الولاية وعلوم القرآن والحكمة ، قادمين من أطراف وأكناف العلم الإسلامي الشيعي ليقطفوا الثمار الطيبة من المعارف الربانية والعلوم الإلهية .
   يقول المرحوم حجة الإسلام : قضينا مدة ثمانية عشر شهراً في ذلك البلد نحضر فيها درس المرحوم الشيخ الأحسائي لنملأ القلوب من أسرار أهل البيت الأطهار عيهم صلوات الله ، حتى نلنا الفيض العظيم وأدركنا الفوز المبين والحمد لله رب العالمين .
   وبعد هذه المدة استدعانا الشيخ الجليل وقال : إني أراكم اليوم في مقام سام في العلوم الظاهرية والباطنية ، والإحاطة بمعارف الشريعة والولاية وأسرار وآثار أهل بيت النبوة ، ولذا أجيزكم بالعودة إلى أوطانكم لتؤدوا وظائفكم علماً وعملاً في نشر آثار وفضائل ومناقب أهل بيت العصمة عليهم السلام وحمل أسرارهم .
   وفي آخر لقاء لنا معه قال لي ذلك الشيخ الجليل ونحن نودعه : أيها الملا محمد! ستوفق أنت وأولادك الأجلاء على مدى سنوات طويلة تجاوز المائة عام إلى نشر آثار وفضائل وكرامات أهل البيت عليهم السلام ، بتأليف الكتب المهمة وإرشاد وتهذيب الناس بإخلاص وجهاد كبير ، وستقف في وجه المنكرين والمعاندين بهامة مرفوعة شامخة ، لأجل هذا أهديك ( عصا ) لتكون رمزاً لقيادتك وزعامتك وجهادك وثباتك .
   ثم توجه بالحديث لميرزا محمود نظام العلماء قائلاً : أنت أيضاً ستحوز على ثقة الديوان والمسؤولين في الدولة ، وستترك مؤلفات قيمة تبقى ذكرى لك ولهذا سأهديك هذه المقلمة المختصة لعلماء الديوان .
   وأهدى بعد ذلك ميرزا محمد حكم آبادي كفناً ومقداراً من الحنوط للأسف إنك لن تصل إلى وطنك وسترحل إلى لقاء الله في الطريق .
   ثم أوصانا بالتقوى والعمل الصالح والعدالة والاستقرار والثبات في أمر الولاية العظيم تحت ظل ولي العصر الحجة بن الحسن العسكري أرواحنا فداه ، وأجازنا بالرحيل .
   ومن مصادفة الأقدار – وكما توقع شيخنا المعظم رحمه الله – أن المرحوم الملا محمد حكم آبادي قد مرض في الطريق وفي قرية ( سردرود ) الواقعة على بعد اثني عشر كيلو متراً من ( تبريز ) ، وقبل أن يصل إلى وطنه توفي ورحل إلى جوار ربه الكريم .
   وكذلك أصبح المرحوم نظام العلماء ، مورد ثقة الأعيان وأعضاء الديوان في مدينة ( تبريز ) مؤدياً وظائفه الدينية والعلمية وهو في ذلك المنصب .
   أما المرحوم الملا محمد حجة الإسلام فقد سكن أولاً إحدى غرف المدرسة ( الطالبية ) العلمية في ( تبريز ) بانزواء وانعزال تام ، ثم أقام درساً خاصاً في شرح حكمة أهل البيت عليهم السلام بعد إصرار عددٍ من الفضلاء والطلاب ، وهكذا اكتشف مقامه العلمي الشامخ يوماً بعد يوم لدى أهل البصيرة .
   وفي ذلك الوقت كان ناصر الدين شاه القاجاري في مقام ولاية العهد وكان لديه بعض الفضل العلمي ، لذا كان يقيم مجلساً شهرياً في مدينة ( تبريز ) حيث يسكن ، ويحضره العلماء الأعلام والمجتهدون العظام والمتقون وأهل الفضل في هذه المدينة وضواحيها ، ويطرح فيه بعض المسائل في التفسير والفقه والحكمة وغير ذلك طالباً من الحاضرين البحث والمناقشة فيها .
   وفي الحقيقة لقد كان المجلس غنياً ومثمراً يبعث على أنس ولي العهد وحاشيته الحاضرين في المجلس ، بتلك الأحاديث العلمية والبحوث الغنية والمتخصصة ، مما يزيد في لذتهم الروحية ، وفي بصيرتهم ومعرفتهم بالبحوث والمسائل الدينية والمذهبية .
   وفي أحد الأيام كان المرحوم الملا محمد حجة الإسلام من المدعوين في ذلك المجلس الأنور ، فجلس في آخر المجلس قرب محل الأحذية ، إذ أن فضله لم يكن معروفاً بعد ، كما أن أكثر الحاضرين ومنهم شخص ولي العهد كان يرون ذلك العلم العلامة لأول مرة .
   ثم طرحت البحوث العلمية في هذا المجلس ومنها مسألة ( الجبر والاختيار ) ، فاحتدم النقاش وارتفعت الأصوات من كل جانب من جوانب المجلس طارحاً كل شخص رأيه في المسألة ، إلا أن أياً منهم لم يقنع ولي العهد والحاضرين ، حتى وصل الدور إلى المرحوم الملا محمد حجة الإسلام فتكلم ذلك العَلَم في العلم والحكمة والدراية ، بصوته المحبوب للقلب وبراهينه القاطعة والقوية ، وبمنتهى الشجاعة والشهامة ، فلفت أنظار الحاضرين – كما يروي المرحوم عماد وآخرين من الثقاة – إلى درجة جعلت ناصر الدين شاه ينهض من مقامه المتصدر للمجلس ويتوجه إلى المرحوم حجة الإسلام ، منجذباً بكل وجوده وكيانه إلى بيان ذلك الحكيم الإلهي المقتدر الاستدلالي المناغم للروح ، وما أن استقر وجلس أمامه حتى قبل جبهته النورانية الكريمة ، ومنذ ذلك اليوم لقب بـ (حجة الإسلام ) ، وهو لقب منح له باقتراح من ناصر الدين شاه وتصويب الحاضرين الأجلاء ، وخصص له مسجداً متوسط السعة في المدرسة ( الطالبية ) ليقيم فيه صلاة الجماعة ويلقي الخطب ويمارس دوره في التبليغ وإرشاد المؤمنين .
   وبعد استقرار المرحوم حجة الإسلام في المسجد ، ونشره لعلمه الواسع والقاطع ، أخذت جموع مريدي ومحبي أهل بيت العصمة عليهم السلام تتوجه نحو مشعل الهداية ذلك ، إلى درجة لم تعد معها مساحة المسجد تستوعب كل تلك الجموع الغفيرة ، وأصبح صحن المدرسة ( الطالبية ) والشوارع المتصلة بها تمتلئ من المصلين عند إقامة صلاة الجماعة من قبل ذلك العالم العلامة ، وإلقائه الخطب ، ولهذا أُسرع في بناء مسجد ( آذربيجان ) الذي كان من حيث السعة وعظمة البناء وجماله ، الأوحد في جميع إيران في ذلك العهد ، ولا زال إلى اليوم يعد من مساجد الطراز الأول فيها ، وقد بني على أربعين عاموداً من الرخام الجميل وسمي بـ ( مسجد حجة الإسلام ) .
   يقع هذا المسجد في قبلة المدرسة ( الطالبية ) ويقول المرحوم العلامة ( دهخدا ) في دائرة معارفه ( لغة نامة ) وسائر المؤرخين : ( إن هذا المسجد بني بجهد وسعي مريدي حجة الإسلام ، ومن عجائب هذا المسجد أنه بني وأصبح صالحاً للاستعمال خلال ستة أشهر فقط ) .
   وبعد وفاة المرحوم الملا محمد الكبير انتقل الإشراف على المسجد إلى أولاده الأجلاء – الذين سنذكرهم إنشاء الله – وبعد انقراض العلماء في ذرية تلك الأسرة الكبيرة ، انتقل الإشراف عليه إلى الفقيه الحكيم المرحوم محمد جواد عميد الإسلام ثم فوض الأمر في حياته إلى الوالد الماجد الإمام المصلح آية الله العظمى الحاج ميرزا حسن الإحقاقي أعلى الله مقامه ، وهو بدوره أحال الإشراف على الأمور الدينية والعلمية في ذلك المركز الكبير – أعني مسجد ومدرسة ( حجة الإسلام ) – وأيضاً إدارة مدرسة ( صاحب الأمر ) المباركة في ( تبريز ) سنة ( 1342هـ . ش ) إلى كاتب هذه السطور وذلك عندما أراد ترك ( آذربيجان ) ، وبحمد الله وبألطاف صاحب الزمان أرواحنا فداه وفقت في إدارة هاذين المركزين العلميين والدينيين وسائر المجامع الدينية التبليغية والإرشادية في مدينة  ( تبريز ) وضواحيها على أفضل وجه .
   وفي السنوات الأخيرة من إقامتي في ( تبريز ) أقمت في ذلك المسجد درساً في البحث الخارج في الفقه وبحضور ما جاوز المائة من الفضلاء وأهل العلم ، واستمر إلى شهر رمضان سنة ( 1401هـ . ق ) وبعد ذلك التاريخ حدث أمر مهم ،  { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }الشعراء227، وقد انقلبوا ونالوا ما يستحقون والله هو أحكم الحاكمين وسريع الحساب ومخزي الظالمين والحمد لله رب  العالمين .
   لقد تبوأ المرحوم العالم العلام ملا محمد حجة الإسلام وعلى مدى ثلاثين عاماً تقريباً مقام المرجعية والاجتهاد ، وقام بنشر آثار وفضائل أهل بيت العصمة عليهم السلام ، وتربية وتأهيل الفضلاء والعلماء الأجلاء ومجاهدة المخالفين في الدين والنواصب والمنكرين لمقامات أهل بيت النبوة عليهم السلام ، وكذلك الفرقتين الضالتين البابية والبهائية ، فكان يمارس دوره الجهادي ويؤدي وظيفته المقدسة في ذلك المركز المنور بكل ثبات وقدرة ، وبشكل فاق به علماء عصره كلهم ، مما جعل جميع الناس من شريف ووضيع ، وكبير وصغير ، يتوجهون نحو ذلك الرجل العظيم الذي قل نظيره في تاريخ العلم والعلماء لينهلوا من علومه ومعنوياته القائمة على مناقب وحكم محمد وآلِ محمد صلى الله عليه وآله وليس على الفلسفة اليونانية .

من مؤلفاته:
الشقشقية (فارسي) في سر القدر والجبر والاختيار، و الرسالة العملية.

وفاته وأولاده:
   وأخيراً وفي سنة ( 1269هـ . ق ) انطفأ هذا المصباح المنير ورائه ثلاثة مشاعل نيره ، وهم أولاده الثلاثة ، وقد كان كل واحد منهم نابغة في العلم والأدب ، وجبلاً شامخاً في التقوى ، وخادم للدين المبين وأهل بيت العصمة والرسالة عليهم السلام ، ونشر مناقبهم وفضائلهم ، ووقف كل واحد منهم مناضلاً بلا هوادة ضد معارضي الدين ، وكانوا حقاً كالشمس الساطعة وهم : ميرزا محمد حسين حجة الإسلام وميرزا محمد تقي حجة الإسلام ( نيّر ) ، وميرزا إسماعيل حجة الإسلام .
   إن ذكر حياة هؤلاء العظماء بما فيها من جلالة وأحداث ، وخصوصاً أن كلاً منهم كان في مقام المرجعية العظيم وله حوزة علمية كبيرة ، وآثار قيمة جداً وثمينة للغاية وجهاد بطولي خارج عن وعاء هذا المختصر ( ومن أراد التفصيل يمكنه مراجعة كتب التاريخ المؤلف في هذا العصر ، ككتاب ( لغة نامة ) للعلامة ( دهخدا ) و(ريحانة الأدب ) للمرحوم المدرس التبريزي ، و( الذريعة ) للحاج آغا بوزرك الطهراني ، رحمهم الله ) .



آخر المنشورات

رسالة علمية

تأليف:
ميرزا محمد بن حسين المامقاني
النوع:
كتاب مخطوط
اللغة:
الفارسية