الشيخ أبو الحسن اليزدي

ترجمة الشيخ أبو الحسن بن إبراهيم اليزدي
بقلم: حيدر عبدالرضا الحرز
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطييين الطاهرين، وبعد:
كثيرون هم العلماء الذين تتلمذوا على يد شيخنا الأجل الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي؛ والتحقوا بركبه؛ وبسبب ظروف الزمان كان من الصعب الحصول على تراثهم الكبير؛ ومع التطور الهائل للتقنيات الحديثة؛ وسهولة نقل الملفات والكتب وقعنا
على الكثير من هذا التراث المفقود.
ونشير هنا إلى أن هذه المقاطع التي نكتبها حول حياة المؤلف وإن كانت قليلة إلا أن كتب التراجم لم تسعفنا بالكثير؛ فحاولنا اقتناص بعض المقاطع مما كتب في بطون الكتب؛ لاعطاء لمحة أوسع مما كتب في التراجم.
من هؤلاء العلماء الأجلاء العظام، هو الشيخ الفاضل الجليل المولى الشيخ أبو الحسن اليزدي أعلى الله مقامه.

سيرته: 
الشيخ أبو الحسن بن إبراهيم اليزدي(1)؛ عالم فاضل جليل، محب للعلم والعلماء منذ صغره؛ تدرج في العلوم الدينية؛ وبلغ شأوًا رفيعًا، ومكانة عالية؛ إلا أنه لم يقنع بما عنده؛ ولم يرتوي مما لديه.
تعرف شيخنا اليزدي على شيخنا الأوحد الأحسائي؛ فوجد فيه ضالته؛ ووجد فيه معيئًا لا ينضب؛ وعين لا تجف؛ فاتصل به وتتلمذ عنده؛ وأصبح من خواصه وملازميه حضرًا وسفرّاء يلتفط من ثمار علومه؛ ويشرب من نمير معارفه؛ وعلى حد تعبيره أنه: صار
الخبر له عيانًا؛ والغيبة شهودًاء والمطلوب حاصلًَا؛ والمأمول محصولًا؛ والمنقول معقولًا.
وثق الشيخ أبو الحسن هذه المرحلة من حياته في كتابه (جوامع التفسير)؛ وكتب حولها قائلًا: (فاعلم يا أخي أني كنت في ربعان الشباب وصفو عيش من الأحباب» طالبًا لصحبة الكرام ومحبًا للعلماء الأعلام؛ وكان العلم وأهله في عيني عظيمين؛ والجهل وأهله عندي حقيرين، وكنت إذا رأيت شخصًا كانت الدنيا في عينه حقيرة يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه؛ وكانت نفسي مشتاقة إلى رياض الحكمة والشرب من حياض المعرفة؛ فخدمت العلماء وطلبت علومهم، ونظرت في كتبهم فرأيت رسومهم؛ ثم حال بيني وبين مطلوبي طلب الدنيا وأعراضها؛ وابتليت بأغراضها وأمراضهاء فطلبت الميسور وتركت المعذور وجربت الأمور، وباشرت الأشغال وصحبت الرجال وضيعت عمري في طلب الآمال؛ وذفقت مرارة الأشياء
وحلاوتها، فما زلت أفكر في العواقب وأسير في المراتب حتى رأيت العجائب؛ فما رأيت شيئًا أسرع ذهابًا وأعجل زوالًا من العمر والدنيا، وما رأيت شيئًا أقرب من الموت والآخرة؛ ورأيت خير الدنيا والآخرة في الحياة الطيبة وهي القناعة؛ ورأيت شر الدنيا والآخرة في الميتة الخبيثة وهي الغفلة؛ ورأيت أقصر الناس عمرًا من ضيع أوقاته بليت ولعل وسوف، وكنت أداوم على قراءة هذه الأبيات لبعض أجلاء السادات رحمة الله عليه:
يا حليمًا ذا أناة واقتدار ليس يعجل
                    عبدك المذنب مما قد جناه يتتصل
كاد أن يقنط لولا سعة الرحمة يأمل
                    باء بالخسران عبد مهل المولى فأهمل
إن في ذلك لسرًا من يخاف الفوت يعجل
                   ملت التوبة من سوف ومن ليت ومن عل
تهت في بيداء تقصيري وهل يرشد من ضل
                  أدخلتني النفس لكن منهج المخرج أشكل
كلما أقبل عام أتمنى عام أول
                  فإذا أقبل عام كان مما فات أخمل
ليتني أجهل علمي أو بما أعلم أعمل
                  فعلى عفوك لا الأعمال يا رب المعول
فعسى جرح ذنوبي بمسيح العفو يدمل
                   لو برضوى بعض ما بي لتداعى وتزلزل
غير أني بالنبي المصطفى أشرف مرسل
                   وعلي وبنيه يا إلهي أتوسل
وبهم يا واسع الرحمة ثبت قد ما زل
                       وامنح الغفران يا من يغفر الذنب وإن جل
لست أقفو إثر قوم غيرهم في العقد والحل
                      عجل الفوز بهم لي وعلى أرواحهم صل
وكانت تذهب أيامي وتمضي أعوامي؛ حتى هدرت الحمامة؛ وصاح الديك، ونعق الغراب؛ ونشرت أجنحة الطاووس، وغارت النجوم؛ وزالت الهموم؛ وانشق الفجر وطلع الصبح؛ فقلت: يا نفس حتى متى وإلى متى تسرع بي إلى الحوبة وتسوفني بالتوبة؛ وتعدني ترك الجفاء ولا أجد منك الوفاء.
فقالت مجيبة: لا تأس على ما فات وتشمر لما هو آت، فإن بقية عمر المرء لا ثمن لها يدرك بها ما فات ويحيي بها ما أمات. فقدمت على المطلوب أشد إقدام؛ وقمت على الساق والأقدام؛ فشرعت في قراءة كتب القوم والنظر في علومهم، فلم أزل أجمع من هنا ومن هنا، وآخذ من هذا ومن هذا، فلم أجد من علومهم إلّا رسومًا ولا من رسومهم إلا همومّا، ونظرت في أخبار أهل العصمة عليهم السلام فوجدتهم يقولون: (إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان)؛ وسمعت الله سبحانه يقول : (قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، ويقول : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) ويقول: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)، وسمعت منهم عليهم السلام يقولون: (لوعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله) أو (لكفره) على اختلاف الروايتين (ولقد آخا بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله ).
ويقولون: (إن أمرنا هو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن؛ وهو الحق وحق الحق).
و(إن أمرنا هو السر وسر السرء وسر المستسر وسر مقنع بالسر)، وسمعت هذه الأبيات المنسوبة إلى مولانا سيد الساجدين عليه السلام:
إني لأكتم من سري جواهره
                 كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتننا
لقد تقدم في هذا أبوحسن
                إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
ورب جوهرعلم لو أبوح به
                لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي
               يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأكمل
التحيات يقول: (لْدمَجْتُ عَلَى مَكْنُونٍ عِلم لو أبوح(2) به لَاضطَرُبتمْ
اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَة في طوئ بعيدة). ً
ويقول عليه السلام لكميل بن زياد النخعي قال: (كُنْت مَع أَمِيرٍ الْمُؤمنينَ عَلِي بْنِ أَبي طَالِبٍ :عليه السلام في مَسْجِدٍ الْكُوفَةٍ وَقَدْ صَليْنَا عِشَاءَ الآخِرة فأَخدَ بيَدِي حَتى خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْحِدِ فمَقَى حَتى خَرَجَ إلى ظهر الكوفة لا يُكُلمنِي بِكَلِمَة فلم أَصْحَرٌ تنَفسَ الصعداء
ثُم قَالَ: يا كُمَيْلْ إن هذْه الْقُُلوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرها أَوْعَاها احْفَْظ عَني مَا أَقُولُ لك الناس ثَلَاثَة عَالِمٌ رَبائِيٌ وَمُتَعَلمٌ عَلَى سَبِيلٍ النَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أنْبَاعُ كُل نَاعِق يَِميلُونَ مَعَ كُل ريح لَمْ يَسْتَضِينُوا بِنورٍ الْعِلْم وَلَمْ يَلجَأوا إلى رُكُنٍ وثيق.
يا كُمَيِْلْ الْعلمْ خَيْرٌ مِنّ الْمَالِ الْعلمُ يَحْرْسْكَ، وَأَنْتَ تَحْرْسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تَنقْضُهُ النفَقَةٌ، والِْعلْم يَزكُو عَلَى الْإنْقَاق.
يَا كُمَيْلْ العلم دين يُدَانَ الله به، وبه يكسب الإنسان الطاعة في حَيَاتِهِ وَجَمِيلَ الأخدوئة بَعْدَ وفاته.
يَا كُمَيْلْ مَاتَ خُرانُ الْأَمُوَالٍ وَالْعُلَمَاء بَاقونَ مَا بَقِيَ الدهُرٌ أَعَْيانهُمْ مَفقودَةٌ وأمْثَالُهُمْ في الْقُلُوبٍ مَوْجُودَةً؛ آه آه إن مَاهُنَا وَأَشَارَ عليها السلام بيده إلى صَدْره لَعِلْمَا جَمًا لو أَصَبْثُ لَهُ حَمَلَةَ بَلَى أَصيبُ لَه لقنا غَيْرَ مَأْمُونٍ يَسْتَعْمِلُ آله الدين فِي الدنيًا، يَستَظْهِرُ بحُجّج الله عَلَى خَلْقِهِ وَبنعَمِهِ عَلَى عِبَادِه أَوْ مُنْقَادًا للحق لا بَصِيرَة لهُ في أَحْنائه ينقدح الشك في قَلْبِهِ بأول عَارض شُبْهَةِ آَلَا لَا ذا وَلَا ذَاكَ، أو مَنْهُومُ باللذاتٍ سَلِسٌ الْقِيَادٍ لِلشهَوَاتِ أَوْ مُغْرَى بِالْجَمْع وَالإدخارٍ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدين في شيء أَكْرَبُ شَبَهَا بهما الْأَنْعَامُ السَائِمَةُ؛ كَذَلِكَ يَموتُ الْعِلْمْ بِمَوْتٍ حَامِلِيه؛ اللهُم بَلَى لا تخلو الأرض مِنْ َقائِم لله بحجةٍ ظاهِرٍ أَوْ خائف مَغْمُورٍ لئلا تبْطْلَ حُجَجٌ الله وَبَينَاتُهُ وأين أولئك، أولئك والله الْأَقَلُونَ عَدَذَا الْأَعْظمُونَ خَطْرًا بِهِمْ يَحْفَظ الله حُجَجَهُ وبيناته حَتى يُودِعُوها نظرَاءَهُمْ وَيَزْرَعُوها في قٌُلُوبٍ أَشْبَاهِهمْ هجُمَ بهم الْعِلمُ عَلَى حَقَائقٍ الْأَمُورِ وبَاشَرُوا روح الْيقينِ وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتوْعَرَُه الْمُترَفُونَ وَأَنسُوا بِمَا اسْمَوْحَش مِنْهُ الْجَاهِلونَ وصَحِبُوا الدنيا بِأَبْدَانٍ أَروَاحُهَا مُعَلقَةٌ بالْمَحَل الْأَعْلَى أولتك خُلَفاءُ الله في أرضه وَالدعَاة إِلَى دينه، آه آه شَوْقًا إلى وُؤيَتِهِمْ ثم نَزعَ يًدَهُ مِنْ يَدِي.
وَقَالَ انْصَرِفٌ إِذَا شُتْتَ) انتهى.
وكنت أنظر في هذه الآيات والأخبار التي لا تهتدي العقول إليها سبِيلًا؛ وإنما تدركها الأفئدة المستنيرة بنور ربها؛ وكنت أتدبر في معانيها؛ وأسرح بريد فكري في مشارقها ومغاربها، وأقلب وجه قلبي في سماء مقاصدها ومطالبها؛ ونظر فؤادي في مطالع شموسها ومنازل بدورها وبروج كواكبها؛ لعل قلبي يستنير من أنوار نجومها ويتأثر من ضياء ثواقبها، فحفظت منها شيئًا وغابت عني الأشياء؛ ولم أهتد إليها سبيلًا؛ ولم أجد لنفسي مرشدًا ودليلًا؛ فقلت يا رب الأرباب ويا إله الآلهة ويا سيد السادات ويا ملك الملوك ويا جبار الجبابرة؛ أنا عبدك الحقير الفقير المسكين الضعيف عملًا؛ الجسيم أملًا؛ خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا وصلة رحمتك؛ وتقطعت عني عصم الآمال،  إلا ما أنا معتصم فيه من فضلك؛ وقد أتيتك بنفس خاشعة ورقبة خاضعة، وظهر مثقل من الخطايا؛ واقفا بين الرغبة إليك والرهبة منك، وأنت أولى من رجاه وأحق من خشاه واتقاه، فأعطني يا رب ما رجوت؛ وآمني ما حذرت؛ وعد علي بعائدة رحمتك؛ بحق سيدي محمد حبيبك وعلي وليك وفاطمة حبيبتك والحسن والحسين والأئمة من ولده أولياؤك وحججك على جميع خلقك صلواتك عليهم أجمعين، إنك أكرم المسؤولين وخير المأمولين)(1).

لقاؤه بالشيخ الأوحد الأحسائي:
بعد أن توسل الشيخ أبو الحسن لله تعالى أن يرشده إلى عالم يثق به، ويكون قادرًا على حل مشكلات الأخبار، وبيان أسرار كلمات محمد وآله الأطهار؛ استجاب الله دعوته؛ فحضر عند الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي، فوجد فيه ضالته المنشودة؛ فحط برحله؛ واستفاد من معينه، وكان يجله غاية الاجلال.
(1) جوامع التفسير (مخطوط)؛ ص31-‏ 36

يقول رحمه الله في شأن ذلك: (فالله سبحانه آمال سحاب رحمته نحو دار العبادة؛ وأنال أهلها شرف السعادة؛ وأحيى قلوبهم بماء الحياة؛ ووصل بهم إلى طريق النجاة).
واعتبر وصوله للشيخ الأوحد إجابة لتوسله في إرشاده إلى الطريق، فيقول: (فأول من أعطاه الله سبحانه مفتاح الوصول؛ وشرفه
بخدمة كافل أيتام الرسول صلى الله عليه وآله ،... وأعني بذلك المفتاح الذي به الفلاح والنجاح، ذا القابلية العظيمة، والدرة المكنونة اليتيمة؛ والمرآة الصافية الكريمة؛ الكامل في ظاهر التفسير والتنزيل، والراسخ في علم الباطن والتأويل، إحدى القرى الظاهرة؛ الواسطة بيننا وبين القرى المباركة التي أمرنا أن نسير فيها ليالي وأيامًا آمنين؛ مشيد دعائم الإسلام والدين؛ والحجة علينا من الحجة على الخلق أجمعين، سمي خيرة رب العالمين، الشيخ أحمد بن المقدس المطهر الشيخ زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه وأعظم في دار كرامته إكرامه؛ وأجزل عليه إنعامه؛ وبلغه ما يتمناه؛ ومكنه في الآخرة لما يشاء؛ إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير آمين يا رب العالمين.
فلما وصلت إلى خدمته وتشرفت بحضرته وفزت ببعض معرفته، صار الخبر لي عيانًا؛ والغيبة شهودًا؛ والمطلوب حاصلًَا؛ والمأمول محصولًا، والمنقول معقولًا؛ فقلت : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ ) (1)
ثم يسترسل في ذكر ممادح أستاذه؛ واصفًا له بأنه: (كان أويس عصره؛ وسلمان دهره، ووحيد أيامه؛ وفريد أعوامه؛ أزهد الزهاد،
 (1) المصدر السابق.

وفخر العباد؛ ومفتاح النجاة؛ وعين الحياة؛ مؤسس أساس الحكمة؛ وماحي أوهام الفلاسفة؛ جامع مكارم الخصال؛ ومحامد الأفعال، ومحاسن الآداب، وصاحب الأخلاق الرغيبة؛ والأحلام العظيمة؛ شريف النسب، وكريم الحسب، ويعسوب قبائل العرب) (1).
ويختم وصفه له بأبيات شعرية يكتبها في حقه:
( يا سائلي عن وصف شيخي سيدي وإمامي
                             قد حار في وصفه عقلي وأوهامي
لو جئته لرأيت الناس في رجل
                            قد ضل فيه عقول الخاص والعام
كل فقيه وكل ذي حكمة
                           وكل ذي علم عنده كعوام
من بعد فكرته وهم وسفسطة
                          وباطل كل أفكار وأفهام‏
وكل فقه ورأي وكل معرفة
                         وكل علم وحكمة وكل كلام
وكل قول وتعبير وتفسير
                        من بعده تأويله أضغاث أحلام
طوبى لأيامنا كنا نسير
                       إلى إحدى القرى في ليال وأيام
لاعيش بعد وجوده في دهرنا
                       تهنأ كما لا خير في الأعوام
(1) المصدر السابق.
ذم الدهور وأهلها ومتاعها
                      والعيش بعد أولنك الأيام
ياعين جودي بالبكاء لفقد من
                      تهريق عبرتها عيون أنام
واللّه كنت لنا أبًا فهجرتنا
                     وحشرتنا في زمرة الأيتام
قدكان فيك شفاؤنا فتركتنا
                    مع جملة الأمراض والأسقام
يا ليت شيخي يرى نحيبي وعبرتي
                    أو بلغ الله عني تحيتي وسلامي
والحاصل أنه أعلى الله مقامه كان شأنه التجافي عن دار الغرور، وحاله الإنابة إلى دار السرور، وشغله الاستعداد للموت حتى نزل به وإذا سكت كان سكوته فكرّا، وإذا نطق كان نطقه حكمة؛ وإذا نظر كان نظره عبرة، وكان بدنه الشريف معنا، وقلبه الفارغ معلقًا بالملأ الأعلى)(1).
كما أنه لم يغفل ذكر شيخه في كتابه (جوامع التفسير)؛ فكان يعتمد على بياناته؛ ويحكم قوله عند اختلاف الآراء.

أسفاره:
صاحب شيخنا اليزدي أستاذه حضرًا وسفرًاء ورافقه في حج سنة 1232 هـ ، وكان برفقتهم أيضًا الشيخ عبد الله بن الشيخ الأوحد،

(1)المصدر السابق.

والملا مشهد التبريزي، والحاج عبد الله بن إبراهيم آل عيثان. والحاج نظر علي الدزفولي(1).

مؤلفاته:
لم نجد من مؤلفاته في وقت إعداد الترجمة إلا كتابًا واحدًا يقع في جزءين وهو ما أسماه بـ (جوامع التفسير).
تعرض الشيخ أبو الحسن في (جوامع التفسير)؛ إلى تفسير سورة الفاتحة في جزءه الأول، وفي جزءه الثاني تعرض لتفسير سورة البقرة؛ لكنه لم يتمه؛ كما أنه كتب مقدمة مطولة مرتبطة بالتفسير والأخلاق، وبيان خلق العوالم؛ والتكليف الإلهي.
وفي ختام الجزء الأول لخص الشيخ أبو الحسن مطالبه التي طرحها في كتابه فقال: (وقد جمعت فيه ما تحتاج إليه من علم السلوك والتقوى، وبينت كيفية تهذيب الأخلاق، وأوضحت لك سبيل معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وتوحيده والإخلاص في عبادته؛ ومعرفة أنبيائه ورسله عليهم السلام؛ وأشرت إلى حقيقة الملك والشيطان ومصدر كل واحد منهما، وأشرت إلى المقامات السبعة التي فيها معرفة الله ومعرفة المعاني والأبواب والإمام والأركان والثقباء والنجباء؛ ومعرفة النفس التي من عرفها فقد عرف ربه؛ وأشرت إلى كثير من المذاهب الباطلة ومقامات التوحيد الحق ومراتب التوحيد الباطل، وذكرت أصول المعاملات وما يجب عليك من أداء كل ذي حق حقه ومعرفة كل ذي فضل فضله؛ وبينت كيفية الموت الإرادي والاختياري المستلزم للخروج عن الشهوات النفسانية والتجنب عن رذائل الصفات 
(1) شمس هجر ص 117.

الحيوانية البهيمية والأحوال الشيطانية والتخلق بالأخلاق الروحانية؛ وغير ذلك مما يطول بيانه وقد حواه مكانه؛ ولقد ذكرت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده الطيبين الطاهرين المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين؛ وأشرت إلى بعض أسرارهم عليهم السلام ما تشمئز منه القلوب وتقشعر منه الجلود ولا يحتمله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وأخرجه من ظلمات الجهل والشك والإنكار وأرجعه منها إليهم بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار؛ فكم من لآلئ فضائلهم عليهم السلام ودرر مناقبهم نثروها على رؤوس عرائس عباراتهم وفرقوها في أذيال إشاراتهم، جمعتها ونظمتها في سلك التحرير والتقرير؛ وكم من جواهر الأسرار وخباياها المكتومة عن الأغيار وجدتها في بطون الآيات والأخبار؛ فأخرجتها ووضعتها في زوايا كتابنا هذا (جوامع التفسير)؛ ملتمسًا ممن نقص جوهره عن العيار وليس له مطهر إلا النار أن لا يبادر إلى الإنكار، فكيف ينكر فضيلة من كتم فضائلهم أعداؤهم حسدًا وكتم مناقبهم أولياؤهم خوفًا فظهر بين الكتمين ما ملأ الخافقين، ومن افشعر جلده مما ذكرناه واشمأز قلبه مما أسمعناه فليعلم أنه بعيد عن الإيمان قريب من الشيطان؛ لأن عليًا وآله عليهم السلام هم المحك وحبهم إيمان وبغضهم كفر بلا شك؛ فمن تخالجه الشك فيه وفي بينه أو تداخله الريب مما ورد من الفضائل فيهم وفيه؛ وما نقلنا عنه وعنهم وعن أخيه صلى الله عليهم فليسأل أمه عن أبيه)(1).

(1) جوامع التفسير (مخطوط)؛ ص266 .

وهذا الكتاب ينبئ عن مؤلفه؛ وعن تبحره في العلوم والمعارف العقائدية والفقهية والتفسيرية؛. حتى وصف بأنه: (طويل النفس فيما يكتب ويؤلف)(1).

مميزات كتاب (جوامع التفسير):
لا يمكن أن نعد هذا التفسير تفسيرًا تفليديًا؛ بل حوى الكثير من اللفتات المهمة؛ وإذا قرأنا بتمعن هذا التفسير نجد أنه تميز بالتالي؛
1- مقدمة مهمة تحتوي على الكثير من المعارف الحكمية والأخلافية.
2 - شرح أنواع التفسير من الظاهر والباطن والتأويل.
3 - تفسير موسع لسورة الفاتحة؛ خصوصًا في بيان الصراط
المستقيم؛ حيث فتح بحونًا في بيان أسرار الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
4 -‏ الاعتماد على روايات أهل البيت عليهم السلام في التفسير؛ خصوصًا تفسير الإمام الحسن العسكري عليهم السلام.
5 - يحتوي التفسير على بحوث موسعة في معرفة أهل البيت النورانية؛ ومقاماتهم؛ وخطبهم الدالة على ذلك.
6-  تعرض المصنف لمناقشة بعض المفسرين في آرائهم، وبين وجهة نظره.
7 - طرح بحثًا موسعًا حول الفرق بين الإسلام والإيمان؛ يعد من أهم ما كتب في هذا المجال وفي الجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن.
(1) تراجم الرجالء ج1‏ ص45
8 - كان غالبًا ما يبين معاني الكلمات للروايات التي يستشهد بها.
9-  من المباحث الجميلة التي تعرض لها هو بيانه للحديث القدسي الذي يقسم سورة الفاتحة بين الخالق والمخلوق، فعرض وجوهًا حكمية عديدة في بيانه؛ وقال أنه من مختصات تفسيره الذي كتبه.
10‏ - أثبت إحاطته الواسعة في روايات أهل البيت عليه السلام.
11 - رد فيه على الكثير من الأقوال الباطلة والمذاهب الفاسدة خصوصًا أقوال الصوفية؛ ونقل آرائهم وزيفهاء وأبان خطلها.
12 - كان يشيد بشيخه الشيخ الأوحد الأحسائي كثيرًا؛ وينقل بعض عباراته؛ وتعرض للجمع بين كلماته والروايات الشريفة.

وفاته:
لا يوجد في كتب التراجم أي إشارة إلى تاريخ وفاته. إلا أنه عاش بعد أستاذه الشيخ الأوحد، حيث كان يترحم عليه في تفسيره، كما أنه لا يوجد تاريخ انتهاء لتفسيره إلا ما كتبه الناسخ من أنه فرغ من نسخ الجزء الأول سنة 1257 هـ ؛‏ فالمظئون أنه توفي خلال هذه الفترة، والله أعلم.
هذا ما مكننا جمعه للتعريف بهذا العالم الجليل.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جوامع التفسير، ترجمة المصنف،