الشيخ أبو تراب القزويني

ترجمة العلامة الجليل الشيخ أبو تراب القزويني أعلى الله مقامه
( اليوم - عبدالله الحسين )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

لقد أهمل التاريخ الكثير من العلماء الذين ساهموا في نشر المعرفة والعلم من خزائن محمد وآله الطيبين الطاهرين، وقد قصرت كتب التراجم على وفرتها بالكثير منهم، وأعطت آخرين معلومات ضئيلة جداً.

من هؤلاء الكبار العالم الفاضل الجليل أبو تراب بن محمد حسين القزويني الذي يعد من أكابر علماء الشيعة، ومن الذين أثروا المكتبة الشيعية بالعديد من المؤلفات والكتب.  


نشأته:
لم تتوفر لنا أي معلومات عن تاريخ مولده ونشأته  ولا عن تفاصيل دراسته الدينية، إلا الشيء اليسير، ولا شك أنه تلقى الدروس الدينية في صغره مما أهله لا حقاً للسفر إلى كربلاء المقدسة.

المسيرة العلمية:

شد هذا العالم رحله إلى كربلاء المقدسة والتحق بحوزة آية الله المعظم السيد كاظم الحسيني الرشتي أعلى الله مقامه واستفاد منه كثيراً.
وقد كان يكن لأستاذه السيد الرشتي الإجلال والإكبار فيقول عنه: (السيد المفضال عليه الرحمة والثواب من رب الأرباب)[1]، وقال كذلك: (مولانا وسيدنا وحبيبنا وأستاذنا ‏سيد العرب والعجم وفخر الأمم النائب للقائم السيد كاظم الرشتي أطال الله بقاءه وجعلني من كل مكروه فداه)[2].
كما شارك الشيخ الجليل بالتدريس في حوزة السيد الأمجد، وممن تتلمذ عليه الشيخ محمد آل أبي خمسين الأحسائي أعلى الله مقامه، فقد حضر لديه في مباحثة كتاب شرح الفوائد للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه، وقد وثق الشيخ أبو خمسين هذه المرحلة من عمره في كتابه مفاتيح الأنوار، يقول قدس سره: (إلى أن خطر ببالي – في بعض الأيام – أني أتشرف بخدمة العالم العامل, والفاضل الكامل, ذي المناقب والمفاخر, وذي المزايا والمآثر, العارف الأجل, والعالم البدل, الجامع بين العلم والعمل, كهف ذوي الألباب, والولد الحقيقي لذلك الجناب, ملا أبي تراب, واعرض بخدمة جنابه الشريف – أزاده الله علواً وتشريفاً – من طرف المباحثة معه في كل يوم ساعة في شرح الفوائد, ففعلت ذلك.
     فأجاب دعائي – سلمه الله تعالى من كل شر, بحق محمد وآله سادات البشر – وقمت أحضر كل يوم ساعة من النهار في مجلسه الشريف, ومحضره اللطيف, بعد الظهر مدة مديدة, وأشهر عديدة, إلى أن أقتضى حوادث الزمان, وعوائق الدهر الخوان, المفارقة بيننا, بسبب سفره إلى أطراف العجم)[3].
يبين هذا النص مدى العلاقة بين الشيخ أبو تراب وبين السيد الرشتي وتلخصها كلمة (والولد الحقيقي لذلك الجناب)، كما أنه يشير إلى المنزلة العلمية التي وصل إليها الشيخ أبو تراب رحمه الله.
 وصف عالمنا الجليل بـ (فاضل عارف ... له اطلاع واسع بالعلوم الدينية)[4]، وكذلك بأنه له مؤلفات: (تُلقي أضواءً على طبيعة توجّهاته العلمية حيث تكشف عن اهتمامه المتميّز بعلم أُصول الدين والموضوعات العقائدية والعرفانية، واطلاعه الواسع على العلوم الإسلامية)[5]. وفي موسوعة علماء الإمامية وصف بـ(عارف متفقه له اطلاع واسع على العلوم الدينية)[6]

سفره:
لم نستطيع تحديد تاريخ سفره إلى إيران بالدقة، ولكن الشيخ محمد بو خمسين انتهى من كتابه مفاتيح الأنوار سنة 1257هـ وقد ذكر فيه رحلة استاذه إلى إيران، فيكون سفره في تلك السنة أو قبلها بقليل. وقد كان في طهران سنة 1259هـ حسب ما أفاده في كتابه الهداية. وفي  سنة  1262هـ كان بمدينة اشتهارد، وفي سنة 1266هـ  كان في مدينة لنگرود وكذلك في نفس السنة زار مدينة أبهر[7].

مؤلفاته:
في الحقيقة لا نستطيع الجزم بعدد مؤلفاته، ولكن ذكر له في كتب التراجم العديد من الرسائل وهي[8]:

1-   الهداية في علم البيان والمعاني، فرغ منه سنة 1259هـ بطهران ([9]).

2-   إرشاد الطالبين في أُصول الدين بالفارسية، أتمّه في سنة 1260هـ. بحث عن أصول الدين استناداً إلى العقل والنقل وختمه بمنزلة العلماء والفقهاء. نسخة منه في مكتبة المرعشي بخط المؤلف.  

3-   الأصول الاعتقادية بالفارسية، فرغ منه في سنة 1266هـ. بحث أصول الدين وفروعه مقسماً إياهما إلى ضروري ونظري. توجد نسخة منه في كلية الالهيات في مشهد بخط مؤلفه.

4-   أصول الدين بالفارسي: دراسة مختصرة في أصول الدين كتبها للعوام. توجد مخطوطة منها في مكتبة السيد المرعشي.

5-    أصول الدين: في العقائد الضرورية للعوام، بالفارسي، نسخة منه في مكتبة المرعشي.

6-   أصول الدين: رسالة مفصلة في أصول الدين بالفارسية، توجد بكلية الالهيات في مدينة مشهد المقدسة.

7-   أصول الدين الخمسة عند الشيعة: أتمه في مدينة أبهر سنة 1266هـ، نسخة منه في كلية الالهيات بمشهد.

8-   الأنوار الجامعة، فارسي، مخطوطة منه في المسجد الأعظم بقم.

9-   تحصيل العلم في أصول الفقه، فرغ منه سنة 1260هـ بطهران، وتوجد مخطوطة منه في مكتبة المرعشي بخط المؤلف.

10- ترجمة الصلاة، فارسي. نسخة منه في مكتبة العتبة الرضوية المقدسة.

11- شرح دعاء السحر، فارسي. توجد مخطوطة في مكتبة مجلس الشورى بطهران، ونسخة بالمكتبة المركزية بجامعة طهران.

12- شرح أشهد أنك طهر طاهر مطهر باللغة العربية توجد نسخة منه في مكتبة المرعشي بخط المؤلف .

13-  شرح  عدة أبيات لحافظ الشيرازي بالفارسي، توجد نسخه في مكتبة مجلس الشورى وفي مكتبة المرعشي.

14- الشريعة والحقيقة أكد أن الشريعة والحقيقة أمر واحد. توجد في مكتبة المرعشي.  

15- العقائد الخمسة بالفارسية، فرغ منه سنة 1266هـ بقرية كياكلايه في لنگرود. توجد مخطوطة منه في كلية الالهيات بمشهد.

16-العقائد الضرورية بالفارسية، فرغ منه في 1262هـ بمدينة اشتهارد. توجد نسخة منه في المكتبة المركزية بجامعة طهران.

17- الفوائد، توجد نسخة منه بكلية الالهيات بمشهد  بخط المؤلف.

18- فوائد نافعة، في مواضيع فلسفية، فرغ منه سنة 1266هـ بأبهر، توجد مخطوطته في كلية الالهيات بمدينة مشهد.

19- المعارف الالهية: رسالة ناقصة من دون فصول حول الشكر وعلم السلوك وتقوى الخواص فرغ منه سنة 1266هـ توجد نسخة منه في كلية الالهيات بمشهد بخط المصنف.

20- مقامات أهل العرفان، فرغ منه في 1266هـ بأبهر توجد نسخة منه في كلية الالهيات بمشهد.

21-نوادر العقائد في العقائد الخمسة بالفارسية كتبه في 6 أبواب عام 1262هـ باشتهارد، نسخة منه في جامعة طهران.

22-  هداية المسترشدين في معرفة أصول الدين فارسي كتبه في سبعة أبواب توجد في مكتبة مجلس الشورى وفي المرعشي كذلك.

هذا ما ذكر في كتب التراجم، وهل هي ثابتة النسبة له قطعاً فهذا يحتاج إلى مزيد متابعة، والاطلاع على المخطوطات نسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل علينا ذلك بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ولم أحصل إلا على كتاب الهداية بقلمه، وهو من مخطوطات مكتبة العلامة الحائري بكربلاء المقدسة، والتي أسسها آية الله المولى الميرزا علي الحائري الإحقاقي أعلى الله مقامه، حيث زودني بصورة منها الشيخ رياض طاهر البستاني حفظه الله.

منهج الشيخ أبو تراب:

وصف الشيخ في كتاب تراجم الرجال بـ: (متوغل في التصوف)[10] وأظن أن هذا الوصف هو اشتباه غير مقصود من مؤلف كتاب تراجم الرجال[11]، فقد يحتمل أنه رأى بعض مؤلفات الشيخ أبو تراب ورأى بعض الاصطلاحات العرفانية فضنها أنها صوفيه.

 والحال أن الشيخ أبو تراب من تلامذة السيد الرشتي والكل يعلم مدى القطيعة بين مدرسة الشيخ الأوحد وبين الصوفية وشيخهم الأكبر محي الدين بن عربي الذي يسميه الشيخ الأوحد بـ(مميت الدين)، ولن أزيد هنا عن نقل بعض العبارات التي تبين رؤية الشيخ أبو تراب للصوفية من كتابه الهداية.

1-    قال رحمه الله: (ومن المحجوبين من الفرق الباطلة الغلاة والصوفية)[12].

2-    وقال: (وأما الصوفية كالحلاجية والبسطامية وغيرهم قالوا أنه تعالى وتقدس حال في جميع المخلوقات، ومنهم من أوضح هذا المذهب وقال أنه تعالى سار في هذا العالم سريان نفس الواحد منا في بدنه. أقول كما قال عليه السلام: (بدت قدرتك يا إلهي ولم تبد هيأة فشبهوك وجعلوا بعض آياتك أربابا ومن ثم لم يعرفوك يا سيدي)[13].

3-    قال: (و هذا هو مذهب الصوفية خذلهم الله)[14].

أعتقد أن هذه العبارات كافية في توضيح منهج الشيخ أبو تراب فهو يرى أن الصوفية من الفرق المخذولة ومن المحجوبين عن الحق، وينزه الله تعالى عما يقوله الصوفية من اعتقاد باطل.

بهذا يتضح أن المنهج الولائي الذي تربى عليه الشيخ أبو تراب في حوزة السيد الرشتي جعلت منه يرفض رفضاً قاطعاً تلك المشوهات من الصوفية وغيرهم ويعتمد المنهج الصافي الخالص.

وفاته:

لم  أجد أي معلومة حول تاريخ وفاته وأين كانت إلا أننا إذا قطعنا بنسبة الرسائل إليه فيكون آخر ما كتب في سنة 1266هـ  فقد تكون وفاته في هذه السنة أو بعدها.

وقفة مع كتاب الهداية:

بعد حضور الشيخ أبو تراب في حوزة السيد الرشتي بكربلاء المقدسة، قرر أن يرجع إلى إيران في زيارة إلى مشهد الإمام الرضا عليه السلام، فمر في سفره بمدينة طهران، وقد عرضه الرمد فيها فاضطر أن يجلس فيها قليلاً من الوقت، وهناك كانت له مباحثات مع عدة من علمائها وطلبتها، فوجد فيهم الاهتمام بفروع الدين وإهمال الحكمة الإلهية -ولا نقصد بالحكمة هنا البحوث الفلسفية بل المقصود بها معارف الأئمة الطاهرين في معرفة المبدأ والمعاد ومعرفة المقامات النورانية لهم عليهم السلام- فما كان من بعض المعممين إلا أن رموه بالغلو والضلال. يشرح الشيخ حالته في طهران فيقول:

(وكنت هناك غريباً فريداً بين الناس، في زمان قد مد الجور باعه، وأسفر الظلم قناعه، ودعى الغي أتباعه، فلبوه من كل جانب ومكان، وكانت الدولة للظالمين الجاحدين طريق الحق والصواب مما أراد رب الأرباب من معرفته و معرفة الأئمة الأطياب عليهم السلام، من العقائد الضرورية الإسلامية والإمامية، بحيث:  )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ([15] وكان أمرهم محصوراً في تحصيل الفروع والقشور الدنياوية دون الحكمة التي قال الله  تعالى: )وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا([16] ، وأما في عقائدهم ومعارفهم الإلهية، ومعرفة أمنائه وحججه وفضائلهم وما ينسب إليهم من الكمالات الفعلية المتعلقة بالمفعولات، ومقاماتهم وعلاماتهم التي لا تعطيل لها في كل مكان، فكانوا نابذين وراء ظهورهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم قالوا يكفينا الإجمال فيها، فإذا عرض عليهم تفصيلها أنكروه ونسبوا أهل المعرفة إلى الضلال، ورموهم إلى الغلو والإضلال، وأتوا من باب الجحد والجدال فظلموهم وكذبوهم ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.

اللهم إنا نشكو إليك غيبة إمامنا، وقلة ناصرنا، وكثرة عدونا، وشدة الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الخلق علينا، يا رب  فرج ذلك بفرج منك تعجله، ونصر تعزه، وحق تظهره، اللهم ابعث  بقائم آل محمد لنصر دينك، وإظهار حجتك، والقيام بأمرك، وتطهير أرضك من أرجاسها، اللهم إني أعوذ بك أن أوالي لك عدواً، أو أعادي لك ولياً، أو أقول لحق هذا باطل، وأقول للباطل هذا حق، أو أقول للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.)[17]

هذه الأسباب وغيرها دعت المؤلف أن يكتب كتابه الهداية ويشرح فيه السفر من هذا العالم الضيق إلى العالم الرحب الوسيع ويشير إلى علامة المسافر إلى الله تعالى ويشرح كذلك معرفة أهل البيت عليهم السلام النورانية، وقد قدم له بمقدمات مهمة تفيد طالب العلم كثيراً، وقد كتب الشيخ أفكاره بأسلوب سلس سهل على الأفهام واستدل على مطالبه بالعقل والنقل معاً.

وقد سمى كتابه بـ(الهداية في علم البيان والمعاني)، والمقصود بعلم البيان والمعاني ليس هو المعنى المعروف في البلاغة، بل المقصود بهما هما مقاما البيان والمعاني وهما المقامان الأولان لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وأما المقامان الآخران فهما الأبواب والإمامة ولمزيد التفصيل والتعرف على هذه المقامات نحيل القارئ العزيز إلى كتاب شرح الزيارة الجامعة الكبيرة للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى لله مقامه عند شرح لفقرة (وموضع الرسالة).      

هذا ما سنح من ترجمة لهذا العالم الجليل نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبلها بقبول حسن بحق ساداتنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

يوم السبت الخامس عشر من شهر رمضان المبارك ذكرى ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لسنة 1438 هج, الموافق 10 يونيو 2017م

الصفحة الأولى من مخطوطة كتاب الهداية بخط مؤلفه

الصفحة الأخيرة من مخطوطة كتاب الهداية بخط مؤلفه