ميرزا محمود بن محمد التبريزي
اسمه:
محمود بن محمد التبريزي ، يدعى بـ ( نظام العلماء ) . كان جامعاً للمعقول والمنقول . المتوفى حدود عام 1270 هـ . من تلامذة الشيخ أحمد الأحسائي والمدافعين عنه في تأليفه . أصله من تبريز ، وأقام مدة في عبد العظيم بالري في خدمة محمد شاه القاجار حينما كان ولي العهد . وينقل بأنه هو الذي طبع كتاب ( شرح الزيارة ) للشيخ .
ومر المترجم له بحاله ضيق شديدة فقد ضيق الخناق عليه ميرزا تقي خان أمير ، كبير الخناق ، وصادر أمواله وحتى بيته الذي كان يسكن وعائلته فيه ، فلجأ إلى سفير بريطانيا في يوم الخميس سابع جمادى الثاني عام 1267 هـ لحل مشكلته ، وهو كثير الشكاية من الأمير ويدعو عليه .
مناظرة الميرزا محمد علي الباب :
ذكرنا في ترجمة الميرزا محمد المامقاني (( حجة الإسلام )) ظهور البابية وفساد عقائدها وأن محمد شاه استدعى العلماء لمناظرة رئيسها الميرزا محمد علي الباب ، والمترجم حضر المناظرة ، وعرض مؤلف (( قصص العلماء )) المناظرة كلها أبرز دور المترجم له وكيف أفحم الباب ، وإليك المناظرة كما ذكرت: وبعد زمن سأل الملا محمود الباب أن السلطان حكم بأن تذكر دعواك في حضور علماء الإسلام حتى يتحقق كذب الدعوى وصدقها . وإني وإن لم أكن من أهل العلم وخالي من الغرض لكن تصديقي لن يكون بلا فائدة ونسألك ثلاثة أسئلة :
الأول : تلك الكتب التي انتشرت وهي على سياق القرآن والصحيفة والمناجاة ، في الأطراف والنواحي هل هي منك وأنت كتبتها أم أنها تنسب إليك ؟
فقال الباب : هي من الله .
فقال الملا محمود : لست على قدر من العلم ، فإن كانت منك فقل ، وإلا فلا ؟
فقال الباب : هي مني .
فقال نظام العلماء : معنى كلامكم الذي قلتم إنه من الله هو : أنه يجري على لسانكم مثل شجرة الطور .
وكيف لم يكن ( أنا الحق ) من شجرة
فمن أين تأتي كل ذي النغمات
وإن كانت من خلق عبد الله
فقال الباب رحمة بكم
فقال نظام العلماء : يسمّونك الباب ، هذا الاسم من سمّاك به ، ومتى وضع ، وما معنى الباب ، وهل أنت راض بهذا الاسم أم لا ؟
فقال الباب : هذا الاسم أعطانيه الله .
فقال نظام العلماء : أين ، في الكعبة أم بيت المقدس ، أم البيت المعمور ؟
فقال : في أي مكان فهو اسم من الله .
فقال نظام العلماء : وبالتأكيد حينئذٍ أنت راض باسم الله ، فما معنى الباب ؟
فقال الباب : أنا مدينة العلم وعلي بابها .
فقال نظام العلماء : أنت باب مدينة العلم ؟
فقال : نعم .
فقال نظام العلماء : الحمد لله فإنني سعيت أربعين سنة حتى أصل إلى أحد الأبواب ولم أستطع . أما الآن فالحمد لله فقد جاء إلى بلدي ، فإن كان كذلك وعرفتني ذلك فهل تجعل لي منصب حافظ الحذاء ؟
فقال له الباب : أو لست الملا محمود ؟
فقال نظام العلماء : بلى .
فقال الباب : شأنك أجل ، يجب أن يكون لك منصب أعظم .
فقال نظام العلماء : أريد هذا المنصب وهذا يكفيني .
فقال ولي العهد : أنا أضع هذا العرش لك إذا كنت باباً وأسلّم لك .
فقال نظام العلماء : بناء على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قول قاله حكيم من الحكماء ( العلم علمان ، علم الأبدان وعلم الأديان ، وقد قدّم علم الأبدان على علم الأديان ) . لماذا ؟ اسأل سؤالاً : أنه كيف يكون حال المعدة حتى يصاب شخص بالتخمة ، وبعضهم ترتفع تخمته بالعلاج ، والبعض يؤدي به ذلك إلى سوء الهضم والغثيان ؟
فقال الباب : لم أقرأ علم الطب .
فقال ولي العهد لكنك باب العلوم ، وتقول لم تقرأ علم الطب ، هذا قول متناقض .
فقال نظام العلماء : لا خير في ذلك لأن هذا العلم بيطرة وليس داخلاً في العلوم فلا ينافي البابية . ثم التفت إلى الباب وقال له : علم الأديان ، هو علم الأصول والفروع ، وللأصول مبدأ ومعاد ، فقل لي : هل السمع والبصر والعلم والقدرة عين الذات ، أم غير الذات ؟
فقال الباب : عين الذات .
فقال نظام العلماء : إذن الله أكثر من واحد ومركب ، والذات والعلم شيئان مثل الخل وشراب العنب يصير أحدهما متحداً مع الآخر . فالله مركب من الذات والعلم أو الذات والقدرة وهكذا . بالإضافة إلى أنه لا ضد له والعلم إذا كان عين الذات فهو له ضد وهو الجهل . وبالإضافة إلى هذين الأمرين الفاسدين ، الله عالم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عالم وأنا عالم ، فنحن مشتركون في العلم ، ولدينا ما به الامتياز ، وهو أن علم الله ذاتي وعلمنا به ، فالله مركب من ما به الامتياز وما به الاشتراك ، والحال أن الله ليس مركباً .
فقال الباب : لم أدرس الحكمة .
فتبسّم الأمير . ثم قال نظام العلماء للباب : علم الفروع مستنبط من الكتاب والسنة ، وفهم السنة والكتاب يتوقف على علوم كثيرة مثل الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق . وأنت باب فصرّف لنا فعل قال .
فقال الباب . أي قال . فقال نظام العلماء : قال يقول قولاً . ثم صرّف الباب الفعل مثل تعليم الأطفال فقال : قالوا قالت قالتا قلن . ثم نظر إلى الباب وقال له أكمل . فقال الباب : درست في صغري الصرف والآن نسيته .
ثم قال له : حقق الأعلال ، فذكر له نظام العلماء أعلال البعض ، وطلب منه أعلال الباقي .
فقال : قلت لك لقد نسيت . ثم قال نظام العلماء } هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً {[1]، فمن أي تركيب هو ( خوفاً وطمعاً ) ؟
فقال الباب : ليس عندي شيء .
فقال نظام العلماء : ما معنى هذا الحديث : ( لعن الله العيون فإنها ظلمت العين الواحدة ) ؟
فقال .. : لا أعلم .
ثم قال له : إن المأمون الخليفة سأل الرضا عليه الصلاة والسلام عن ( الدليل على خلافة جدّك علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال الرضا عليه الصلاة و السلام : آية أنفسنا ، قال لولا نساؤنا . قال : لولا آباؤنا ) فما وجه الاستدلال ؟ وما هو وجه رد المأمون وكيفية رد الرضا عليه السلام ؟
فتحير … : فسأل هل هذا حديث . فقال نظام العلماء : نعم . وأقام البيّنة على ذلك ، وقال لو كانت الدعوى على ميت لذكرت قسماً استظهارياً أيضاً . وقال نظام العلماء : من المعروف شأن نزول } إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {[2] ، وهو أنه مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال العاص : سيموت هذا الرجل وليس له ولد : فغمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله لتسليته هذه السورة ، فقل لنا ما هي هذه التسلية ؟
فقال … : هل شأن نزول هذه السورة هو واقعاً هو ما ذكرت ؟
فقال نظام العلماء : نعم . وأقام الشهود على ذلك .
فطلب الميرزا محمد علي الباب مهلة فتجاوز نظام العلماء عن ذلك ودخل من باب آخر . وقال : كنّا في أيام الشباب نذكر عبارة العلامة من باب المطايبة وهي : ( إذا دخل الرجل بالخنثى والخنثى بالأنثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل والأنثى ) فما معنى هذه العبارة ، ولماذا يجب أن يكون الأمر كذلك .
فتأمل … : وسأل هذه عبارة العلامة ؟
فأجاب الحضور : نعم .
فقال نظام العلماء :حتى لو فرضنا أنها ليست من العلامة بل مني ، فما هو معنى العبارة ؟ فإنك باب العلم .
فأجاب … : أن ما من شيء يخطر على البال .
ثم قال نظام العلماء : أن من معجزات نبيّنا القرآن وإعجازه بالفصاحة والبلاغة . فما هو تعريف الفصاحة والبلاغة ، وما هي النسبة بينهما هل التباين أم التسادي أم العموم والخصوص المطلق أم من وجه ؟
ففكّر … كثيراً وقال : ليس في نظري شيء . فانزعج الحضور .
وقال نظام العلماء : إذا شككت بين الاثنتين والثلاث ماذا تفعل .
قال : أبني على الاثنتين وأمضي .
فقال الملا محمد المامقاني : يا عديم الدين لا تعرف شكوك الصلاة وتدعي البابية . فقال الباب : أبني على الثلاث وأمضي . فقال الملا محمد : واضح إن لم يكن اثنين فثلاثة .
قال نظام العلماء : حتى الثلاثة غلط ، بل يجب أن يُسأل هل الشك في صلاتي الصبح أو المغرب ، وهل هو بعد الركوع أو قبل الركوع ، وهل بعد إكمال السجدتين أو قبله ؟
فقال الملا محمد المامقاني : أشكر الله لأنك ماذا كنت تفعل لو قال لك ابني على الاثنتين وأمضي لأن الشغل اليقيني يقتضي البراءة اليقينية . ثم قال الملا محمد للباب : أنت كتبت : أول من آمن بي نور محمد وعلي ، أم لا ؟
فقال : نعم ، هذه العبارة منّي . فقال له الملا محمد : إذن أنت متبوع وهما تابعان ، فأنت أفضل منهما إذن .
ثم سأل الحاج مرتضى قلي الباب : إن الله يقول } وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ {[3] ، وأنت في القرآن ( أي قرآنه ) قلت ثلاثة ، لماذا ، ومن أين ؟
فقال الباب : الثلاثة نصف الخمس ، ما الفرق . فضحك علماء المجلس . ثم سأل الملا مرتضى قلي : كم هي كسور التسعة ؟ فتحيّر .
ثم إن نظام العلماء أجاز قاعدة نظام الطفرة وقرأ بيتاً من ( مثنوي ) وأظهر مسلك الذوق وقال :
عدة من هذه الألفاظ من مجاز وإضمار
تألم فسوف أتألم مع صبر واصطبار
ثم قال له : لست مقيّداً باللفظ أظهر لنا كرامة توافق مدعاك حتى أكون من مريديك ، وإذا صرت مريداً لك فإن جمعاً سيصيرون مريدين لك لأنني معروف بالعلم والعالم لا يتبع الجاهل أبداً .
فقال … : أي كرامة أريد؟
فقال نظام العلماء : إن حضرة العالي سلطان الإسلام محمد شاه مريض فأعطه الصحة . فقال الأمير : قد ذهبت بعيداً الآن أنت حاضر فليتصرف في وجودك تصرّفاً وليجعلك شاباً حتى تبقى دائماً معنا ، ونحن أيضاً إذا ظهرت هذه الكرامة سنعطيه سدة الإمارة له .
فقال … ( الباب ) : لا قوة عندي .
فقال الملا محمد المامقاني : لكن لا يمكن أن تكون لك عزّة بلا وجه ، أنت في عالم اللفظ ضعيف ، وفي عالم المعنى ضعيف ، فماذا عندك من فنّ .
فقال الباب : أقول كلاماً فصيحاً ، وقال : الحمد لله الذي خلق السموات ( بالفتح ) فتبسم الأمير وقال :
وما بتا وألف قد جمعا
يكسر في الجر وفي النصب معاً
فقال … : اسمي علي محمد موافق للرب .
فقال نظام : كل من اسمه علي محمد ومحمد علي موافق للرب ، وحينئذ يجب أن تدعي الربوبية لا دعوى البابيّة .
فقال الباب : أنا ذلك الذي تنتظرون ظهوره منذ ألف ألف سنة .
فقال الملا محمد : يعني أنت المهدي صاحب الأمر .
فقال : نعم .
فقال نظام العلماء : لكن اسمه المبارك محمد بن الحسن واسم أمه نرجس أو صقيل أو سوسن ، واسمك علي محمد واسم أبيك وأمك شيء آخر وهو ولد في سامراء وأنت ولدت في شيراز ، وعمره أكثر من ألف سنة وعمرك قريب من الأربعين ، ففي البين تمام المخالفة ثم إنني لم أرسلك .
فقال له الباب : أنت تدعي الربوبية ؟
فقال نظام العلماء : مثل هذا الإمام يجب أن يكون له مثل هذا الرب .
وقال الباب : أكتب في اليوم ألفي بيت من يستطيع ذلك ؟
فقال نظام العلماء : أيام كنت في العتبات العالية كان عندي كاتب يكتب في اليوم ألفي بيت وفي النهاية صار أعمى ، وأنت أيضاً أترك هذا العمل وإلا تصير أعمى .
وبعد أن اتضح أن السيد يدّعي دعوى باطلة انتهى المجلس ، ووضعوا السيد في مكان ، ثم أتوا به إلى منزل الأمير أرادوا ضربه لكن المأمورين بهذا العمل أنكروا ذلك بسبب حسن العقيدة ثم ضربوه كثيراً بحكم حجة الإسلام والملا محمود ، وهو يقول : غلطت ، أخطأت لقد تبت حتى خلّص ، وبعد عدة أيام قتل.
اهتماماته :
يذكر مؤلف تراجم الرجال أن لنظام العلماء اهتمام بالكتب القديمة مقابلة وتصحيحاً ، وقال إنه رأى بهذا الصدد قطعة من كتاب الكافي قابلها وصنع لها فهرساً مفصلاً في أولها يدل على فضله في علوم الحديث وتبحره فيها .
من مؤلفاته :
ألف كتباً ورسائل كثيرة خاصة في رد الصوفية وتأييد آراء أستاذه ، منها :
1.التحفة المحقرة ، ألفه سنة 1255 هـ .
2. الرد على الرادين على الأحسائي ، أتمه 1256 هـ .
3.شرح رسالة العلم للأحسائي ، ألفه سنة 1256 هـ .
4.شفاء القلوب .
5.الشهاب الثاقب، فارسي مطبوع .
6.أخلاق نظام العلماء ، كتبه بمشهد شاه عبد العظيم ، وفرغ منه في ليلة الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة 1255 هـ ، وبدأ فيه بمعرفة النفس وحفظ صحتها بالصوم والصمت وكذا سائر الجوارح ، وأثبت شعورها وشعور سائر الموجودات بالأدلة النقلية ، وبعد تمام الرسالة سأله السيد أبو القاسم المازندراني الشهير بالسيد محمد المجتهد أن يقيم دليلاً عقلياً لشعور كافة الموجودات فألحق الدليل العقلي وأردفه بقصيدة من إنشائه في تهنئة النور الباهر والحكيم الماهر السيد الوفي السيد علي الزنوزي بخلق عباءة أهداه إليه السيد حجة الإسلام الرشتي الأصفهاني أوله
هنيئاً مريئاً يا علي لك العلى
ترديت بالمجد إذ ترديت بالردا
طبع الكتاب سنة 1264 هـ .
7. نقض الصحيفة .
8. شرح العوالم .
9. مصابيح المستخير ومفاتيح المستشير .
10. أصول الدين .
11. صحت خواب .
12. شمايل ناصري ، في أحوال ناصر الدين شاه القاجار والإشادة به والحط من وزرائه .
شعره :
له شعر بالفارسية والعربية ليس بالنمط الجيد ، ومنه :
يا أرض تبريز يا أرض محنة
فأنت أيا تبريز بعد حبينا
سأبكي على هجرانه طول مدتي
أيا لائمي دعني أموت بلوعتي
فواهاً لظبي صاد قلبي بطرفه
وأفاً لصياد رماني بلحظة
بنفسي غزالاً بين غزلان مربع
بماذا أداوي لوعة القلب إنني
وكيف أداري والصبابة قاتلي
نصحت لعيني نصح أم وليدها
فما قبلت نصحي وإن كنت ناصحاً
فما طلبت إلاّ عنائي ومحنتي
فمن ذا الذي أدعو وأهتف باسمه
سوى علة الإيجاد شافع محشر
منزّل من ثم سلوى بلا مرا
تكلم مع موسى الكليم وقبله
هو السيد البكاء ليلاً إذا خلا
هو الأسد الفتاك لو حمي الوغا
تصدق ازجى واعطى بخاتم
تكلم بالشمعون والنون والذكا
لبست لباس الموت بعد حياة
وإن كنت معموراً فأرض موات
بدمع غزير بل كشط فرات
ففي الموت للعشاق خير حياة
فأقلقني بالحزن والكربات
ولم يجهز المجروح باللحظات
رمى أسداً يرتع مع الظبيات
لفي غمرات الموت والسكرات
لئن لم أمت لابد من قتلات
ألا احسبي ياعيني اللحظات
فشاهده العينان بالسرقات
فيا طول بلوائي من الكربات
لينقذني من هذه الهلكات
وحاكم يوم الدين والعرصات
على قوم موسى سامع الكلمات
تكلم مع أيوب ذي النصاب
هو البطل الضحاك في الغزوات
هو الملك السفاك في الحملات
على السائل المسكين في الصلوات
وذئب الفلا والصخر والربوات
————
الهوامش :
[1] سورة الرعد ، الآية : 12
[2] سورة الكوثر ، الآية : 1
[3] سورة الأنفال ، الآية : 41