في أجواء الحج الروحانية

                                                   في أجواء الحج الروحانية(٢)

           في القرن الخامس الهجري حدثت هذه الحكاية حيث الناس تحج على الجمال وتسكن بيوت الطين والشَعْر ورغم أن الشهوات البشرية هي الشهوات ذاتها التي تسكن أجسادنا الآن..ورغم الجشع البشري عينه الموجود عندنا الآن..ورغم أن المكر والخداع نفسه الذي يموج داخل نفوسنا الآن على وقع كل هذه السمات حلت قافلة أندلسية على البيت العتيق فأدت مناسك العمرة ثم ركنت للهدوء والتسوق والعبادة في الحرم المكي يوما بعد يوم وهي تنتظر الحج فتحرم ثانية، فكان بين القافلة شباب لاهٍ، شباب سادرون في مزحاتهم الكثيرة كل يوم يغدون على البيت العتيق فيحتضنون الحجر ويصلون خلف المقام ويطلبون من الله ولكن يبدو كما في قصتهم لم يستجب لهم مطلقاً، فضجروا من العبادة، فأقبلوا على مبيتهم وقد اتفقوا قاصدين على صنع مزحة كبيرة على شاب ساذج كان معهم في المبيت أتى من الأندلس فاصنطعوا أوراقا صفراء كتبوا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا صك براءة من الله لفلان من النار..فحمل كل شاب واحدة من هذه الوريقات وصاروا يقفزون في الخان أمام ذلك الشاب المسكين حصلت لنا البراءة من النار اليوم في الحرم حيث سلمنا الله صكوك براءتنا من النار وأنت نائم يا مسكين، فعلت قهقهاتهم جميعاً، لم يتمالك الشاب الساذج نفسه فتوجه للحرم عازما الحصول على ورقة مثلهم، فتبعوه ضاحكين مستهزئين فاستلم الحجر باكيا مولولاً لماذا هم يحصلون وأنا لا. ما ينقصني يا ربي كي أحصل على ورقة صفراء مثلهم، فجزع وضج بالبكاء أن لن يترك الكعبة ما لم يحصل على ورقة مثلهم وهم ينظرون له ضاحكين، بينما هو يبكي ملتصقا بالحجر وطيور الحرم تحلق عاليا كالملائكة تدور في الأفق ساد صمت برهة وكأن الخالق شد أنظار المستهزئين لسطح الكعبة من فوق الحجر فشاهدوا ورقة صفراء سقطت من سطح الكعبة تطير كحمائم الحرم متجهة بإرادة من أرسلها إلى كف الشاب الساذج فقبض عليها صائحاً حصلت على واحدة مثلكم لستم أحسن مني وقف الجميع مبهوتين قطع الحق لسانهم واستهزاءهم وتلاشى كل عبثهم أمام المنظر الإلهي الجميل، فعلموا أن باب الله لا يغلق من أحد وأن من طرقه فتح له وإن طال الانتظار!!!!!وأن بيت لله ليس ساحة للمزاح فهو قصر ملك الملوك جبار السماوات لو كانوا يعلمون.

(نقل هذه القصة شاهد عيان في زمنها)

الكاتب: الشيخ سعيد محمد القريشي